سوالف

في التاريخ الحلو والمر والجميل والقبيح

| أسامة الماجد

في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬يقع‭ ‬بين‭ ‬يديك‭ ‬كتاب‭ ‬لا‭ ‬تود‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬قراءته‭ ‬نظرا‭ ‬لتجربة‭ ‬صاحبه‭ ‬المنوعة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬وروعة‭ ‬السرد‭ ‬والتحليل‭ ‬والوصف،‭ ‬وفي‭ ‬برنامج‭ ‬القراءة‭ ‬الذي‭ ‬وضعته‭ ‬لنفسي‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬الجلوس‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬قرأت‭ ‬كتاب‭ ‬“الأمة‭ ‬والعوامل‭ ‬المكونة‭ ‬لها”‭ ‬للكاتب‭ ‬محمد‭ ‬المبارك،‭ ‬واستمتعت‭ ‬بطريقة‭ ‬الحياة‭ ‬المرسومة‭ ‬في‭ ‬ثقافته‭ ‬وتحليله‭ ‬للواقع،‭ ‬فالمؤلف‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬ليس‭ ‬ما‭ ‬تحتويه‭ ‬من‭ ‬معلومات،‭ ‬إنما‭ ‬الروح‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬عقلية‭ ‬الأمة‭ ‬والاتجاهات‭ ‬الفريدة‭ ‬التي‭ ‬توحد‭ ‬أبناءها‭ ‬وتربط‭ ‬بينهم‭ ‬بصلات‭ ‬يعتزون‭ ‬بها‭ ‬ويفخرون‭ ‬كما‭ ‬يفخر‭ ‬الشريف‭ ‬بشرفه‭ ‬واستقامته‭.‬

الثقافة‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬مؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬الأمة‭ ‬ليست‭ ‬شيئا‭ ‬جامدا‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬التحول،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬قابلة‭ ‬لأن‭ ‬تتجدد‭ ‬وتنمو‭ ‬على‭ ‬الدوام‭.‬

وفي‭ ‬عرض‭ ‬عامل‭ ‬التاريخ‭ ‬يبين‭ ‬المؤلف‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحلو‭ ‬والمر‭ ‬والجميل‭ ‬والقبيح،‭ ‬لهذا‭ ‬لا‭ ‬نراه‭ ‬يندفع‭ ‬في‭ ‬تمجيد‭ ‬التاريخ‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬فيه،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يبين‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬دقة‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬ليس‭ ‬حوادثه‭ ‬نفسها،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬يوجه‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬ومعان‭ ‬سامية،‭ ‬فما‭ ‬أصدق‭ ‬ذلك‭. ‬وحقا‭ ‬فإن‭ ‬المؤرخين‭ ‬إذا‭ ‬اعتدوا‭ ‬بالعصور‭ ‬الإسلامية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العرب،‭ ‬فلیس‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬العربي‭ ‬أكثر‭ ‬حيوية‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬وأقدر‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬شكلها‭ ‬كدولة،‭ ‬وصورتها‭ ‬كحضارة‭ ‬لا‭ ‬أفراد،‭ ‬وفي‭ ‬أهدافها‭ ‬الإنسانية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬الكيان‭ ‬العربي‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬تسامح‭ ‬ومحبة‭ ‬وعطاء‭.‬

لقد‭ ‬علم‭ ‬الإسلام‭ ‬العرب‭ ‬كيف‭ ‬يكونون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بطریق‭ ‬ذوبانهم‭ ‬في‭ ‬الإنسانية‭ ‬الكبيرة‭ ‬والمعاني‭ ‬العظيمة،‭ ‬فكان‭ ‬تاريخهم‭ ‬عظيما‭ ‬كالمعاني‭ ‬التي‭ ‬حملوها‭.‬

بصورة‭ ‬عامة،‭ ‬إن‭ ‬القارئ‭ ‬يحس‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬يصافح‭ ‬بعينيه‭ ‬الصفحة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬وحتى‭ ‬ينتهي‭ ‬منه،‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬أمام‭ ‬نظريات‭ ‬مترجمة‭ ‬ولا‭ ‬أفكار‭ ‬مستوردة،‭ ‬ولا‭ ‬غرو‭ ‬فبوسعك‭ ‬أنت‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬أن‭ ‬تميز‭ ‬بين‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬يعرضها‭ ‬الذهن‭ ‬كتصورات‭ ‬عقلية،‭ ‬والحقائق‭ ‬التي‭ ‬يحياها‭ ‬الكاتب‭ ‬ويحس‭ ‬بها‭ ‬كشعور‭ ‬يفيض‭ ‬من‭ ‬ذاته‭. ‬كتاب‭ ‬قيم‭ ‬يستحق‭ ‬القراءة‭ ‬والاقتناء‭.‬