فجر جديد

يوم لك ويوم عليك

| إبراهيم النهام

قبل‭ ‬أيام،‭ ‬كانت‭ ‬لي‭ ‬فرصة‭ ‬لقاء‭ ‬والد‭ ‬الشهيد‭ ‬هشام‭ ‬الحمادي‭ ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬الرجل‭ ‬الفاضل‭ ‬حسن‭ ‬الحمادي،‭ ‬وهو‭ ‬شخصية‭ ‬أنا‭ ‬أتشرف‭ ‬وأسعد‭ ‬بلقائها‭ ‬دوما،‭ ‬وأتعلم‭ ‬منها‭ ‬الكثير،‭ ‬بكل‭ ‬لقاء‭.‬

تأملني‭ ‬يومها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقول‭: ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬المعاناة‭ ‬والخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬و‭ ‬المادية‭ ‬وتأثر‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بسبب‭ (‬كورونا‭) ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬هناك‭ ‬إيجابيات‭ ‬للأمر،‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬الفيروس‭ ‬كشف‭ ‬الحاجة‭ ‬للاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬لأقصى‭ ‬مدى،‭ ‬و‭ ‬سأضرب‭ ‬هنا‭ ‬مثالا‭ ‬بسيطا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

‭ ‬فأبناء‭ ‬جيلي‭ -‬مثالاً‭- ‬كانوا‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬حلاقة‭ ‬ذقونهم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬نساء‭ ‬جيلي‭ ‬كن‭ ‬يعتمدن‭ ‬على‭ ‬أنفسهن‭ ‬في‭ ‬تصفيف‭ ‬شعورهن‭ ‬وتزيين‭ ‬أيديهن‭ ‬بالحناء‭.‬

‭ ‬بعد‭ ‬الطفرة‭ ‬النفطية‭ ‬تغيرت‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العادات‭ ‬والمفاهيم‭ ‬واليومية،‭ ‬ولك‭ ‬أن‭ ‬تقارن‭ ‬بها‭ ‬مثيلات‭ ‬كثر‭ ‬الآن،‭ ‬وعدد‭ ‬ولا‭ ‬حرج،‭ ‬مع‭ ‬اعتماد‭ ‬جيل‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يريدونه،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬بسيطاً،‭ ‬صالونات‭ ‬حلاقة،‭ ‬مكتبات‭ ‬تعد‭ ‬البحوث‭ ‬الدراسية،‭ ‬كراجات‭ ‬تصلح‭ ‬السيارات‭ ‬لأتفه‭ ‬الأعطال،‭..‬الخ‭.‬

ومع‭ ‬تفشي‭ ‬الجائحة‭ ‬اضطرت‭ ‬الدولة‭ ‬لإغلاق‭ ‬بعض‭ ‬المحال‭ ‬لفترات‭ ‬زمنية‭ ‬معينة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭ ‬والشابات‭ ‬في‭ ‬ورطة‭ ‬حقيقية،‭ ‬وربما‭ ‬اضطر‭ ‬بعضهم‭ ‬إلى‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالحلاقين‭ ‬وموظفات‭ ‬صالونات‭ ‬التجميل‭ ‬وغيرهم،‭ ‬خلسة‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬في‭ ‬مخالفة‭ ‬للإجراءات‭ ‬الاحترازية‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬البحبوحة‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬من‭ ‬الطفرة‭ ‬النفطية‭ ‬جعلت‭ ‬بنات‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي‭ ‬ينصرفن‭ ‬عن‭ ‬تعلم‭ ‬الطبخ‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬المطاعم‭ ‬توفر‭ ‬ما‭ ‬لذ‭ ‬وطاب‭ ‬من‭ ‬الأكل،‭ ‬بل‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬بهم‭ ‬للاعتماد‭ ‬على‭ ‬عمال‭ ‬التوصيل،‭ ‬لتوصيل‭ ‬الطعام‭ ‬إلى‭ ‬البيوت،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نطلب‭ ‬من‭ ‬عامل‭ ‬التوصيل‭ ‬وضع‭ ‬اللقمة‭ ‬في‭ ‬أفواهنا‭. ‬

ويعتدل‭ ‬بو‭ ‬هشام‭ ‬بجلسته،‭ ‬قائلاً‭ ‬“هذا‭ ‬مجرد‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬نمط‭ ‬حياتنا‭ ‬بعد‭ ‬كورونا،‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬للاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفس‭ ‬أولوية‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬خاصة‭ ‬وأننا‭ ‬مقبلون‭ - ‬حسب‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ - ‬على‭ ‬مرحلة‭ ‬تقشف‭ ‬قد‭ ‬تطول‭ ‬وقد‭ ‬تدوم‭ ‬فهكذا‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الخليقة‭.. ‬يوم‭ ‬لك‭ ‬ويوم‭ ‬عليك”‭.‬