بين الصحة والاقتصاد (1)

| عبدعلي الغسرة

كيف‭ ‬نوازن‭ ‬بين‭ ‬الصحة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬“كوفيد‭ ‬19”؟‭ ‬أيهما‭ ‬يكون‭ ‬أولا‭ ‬الصحة‭ ‬أم‭ ‬الاقتصاد؟‭ ‬وهل‭ ‬سيتعافى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬اتباع‭ ‬القواعد‭ ‬الإرشادية‭ ‬والإجراءات‭ ‬الاحترازية؟‭ ‬وهل‭ ‬ستتحسن‭ ‬الصحة‭ ‬لو‭ ‬استمرت‭ ‬الأعمال‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الصحية؟‭ ‬سواء‭ ‬قدمنا‭ ‬الصحة‭ ‬أو‭ ‬الاقتصاد‭ ‬فالنتيجة‭ ‬المطلوبة‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان‭ ‬وسعادته،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬صحة‭ ‬الإنسان‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الكوفيد‭ ‬وكل‭ ‬الأمراض،‭ ‬وأن‭ ‬يُنمي‭ ‬الاقتصاد‭ ‬معيشة‭ ‬الإنسان‭ ‬ويُحقق‭ ‬تطلعاته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬فاهتمام‭ ‬الدولة‭ ‬بالرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬وزيادة‭ ‬اهتمامها‭ ‬برخاء‭ ‬المواطن‭ ‬يُعزز‭ ‬كثيرًا‭ ‬حياته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وسيرفع‭ ‬إنتاجيته‭ ‬وسيحقق‭ ‬الأمن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والاستقرار‭ ‬الاقتصادي‭.‬

وقد‭ ‬تصدت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬ودول‭ ‬العالم‭ ‬للكوفيد‭ ‬صحيًا‭ ‬واقتصاديًا‭ ‬وإجرائيًا‭ ‬حتى‭ ‬باتت‭ ‬الصحة‭ ‬الآن‭ ‬تقود‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬ونالت‭ ‬الصحة‭ ‬حصتها‭ ‬العادلة‭ ‬والأكثر‭ ‬اهتمامًا‭ ‬لدى‭ ‬الحكومات‭ ‬وزادت‭ ‬ميزانيتها‭ ‬المالية‭ ‬وجعلت‭ ‬ميزانيات‭ ‬الصحة‭ ‬وخصوصا‭ ‬مخصصات‭ ‬علاج‭ ‬الكوفيد‭ ‬مفتوحة‭ ‬تساهم‭ ‬فيها‭ ‬الحكومات‭ ‬والشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الخاصة‭ ‬والأفراد‭ ‬قدر‭ ‬استطاعتهم،‭ ‬واليوم‭ ‬أيضًا‭ ‬أصبح‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تحققه‭ ‬الأعمال‭ ‬الاقتصادية‭ ‬معًا‭ ‬من‭ ‬أرباح،‭ ‬وأن‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأرباح‭ ‬قد‭ ‬يتجه‭ ‬لعلاج‭ ‬ما‭ ‬سببه‭ ‬الكوفيد‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭.‬

لقد‭ ‬فرض‭ ‬الكوفيد‭ ‬معادلة‭ ‬جوهرية‭ ‬مهمة‭ ‬جعلت‭ ‬الصحة‭ ‬تتقدم‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وأثبتت‭ ‬أن‭ ‬الصحة‭ ‬والبحوث‭ ‬العلمية‭ ‬الصحية‭ ‬لها‭ ‬أهمية‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬باقي‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وأثبتت‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬الأول‭ ‬للدول‭ ‬ومصدر‭ ‬اقتصادها‭ ‬وقوتها‭ ‬ومؤشر‭ ‬استقرارها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نلاحظه‭ ‬من‭ ‬توقف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتراجع‭ ‬دخلها‭ ‬بعد‭ ‬تفشي‭ ‬الكوفيد‭ ‬وأصبح‭ ‬همَّ‭ ‬الدول‭ ‬معالجة‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬الكوفيد‭.‬

للاقتصاد‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تقدم‭ ‬الخدمات‭ ‬والمرافق‭ ‬العامة‭ ‬للمواطنين‭ ‬وازدهارها،‭ ‬وفي‭ ‬نماء‭ ‬البلاد‭ ‬ورخاء‭ ‬العباد،‭ ‬ومنها‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أولوية‭ ‬أساسية‭ ‬لكل‭ ‬دولة،‭ ‬فالإنفاق‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬يتزايد‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬آخر،‭ ‬وتواجه‭ ‬الصحة‭ ‬تحديات‭ ‬صعبة‭ ‬بتزايد‭ ‬الأمراض‭ ‬ونوعيتها‭. ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الصحة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الكوفيد‭ ‬اختفى‭ ‬أمام‭ ‬أهمية‭ ‬الصحة‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬وحمايته‭ ‬من‭ ‬الأوبئة،‭ ‬فالإجراءات‭ ‬الاحترازية‭ ‬للحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬ليست‭ ‬هزيمة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬ولا‭ ‬تراجعًا‭ ‬له،‭ ‬بل‭ ‬أثبتت‭ ‬أنها‭ ‬المعادلة‭ ‬الرابحة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬وصحته‭.‬