عجلة الحياة الربّانية الكونية... وليست البشرية التعجيزية!

| د. ندى أحمد الحساوي

من‭ ‬الشائع‭ ‬جدا،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬المؤلم‭ ‬حقا،‭ ‬أن‭ ‬يتكلّم‭ ‬الكثير‭ ‬ممن‭ ‬أخذوا‭ ‬على‭ ‬عاتقهم‭ ‬مسؤولية‭ ‬التنمية‭ ‬الذاتية‭ ‬للأفراد،‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬وضع‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬هدفا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجال‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة،‭ ‬وهم‭ ‬بهذا‭ ‬يتوقون‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬خدمة‭ ‬بشرية‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬السعادة‭ ‬والنجاح،‭ ‬ولكن‭ ‬هي‭ ‬أهداف‭ ‬من‭ ‬يا‭ ‬ترى؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬أهداف‭ ‬الأفراد‭ ‬الذاتية؟‭ ‬أم‭ ‬هي‭ ‬الأهداف‭ ‬البديهية‭ ‬المعنية‭ ‬بكل‭ ‬مجال‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة،‭ ‬والواضحة‭ ‬في‭ ‬النموذج‭ ‬المتعارف‭ ‬عليه‭ ‬بـ‭ ‬“عجلة‭ ‬الحياة”؟‭ ‬فعجلة‭ ‬الحياة‭ ‬تلك‭ ‬دائرة‭ ‬توضح‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬إنسان،‭ ‬من‭ ‬روحية‭ ‬ومالية‭ ‬ومهنية‭ ‬وأسرية‭ ‬ومجتمعية‭ ‬ونفسية‭ ‬وجسدية‭ ‬وعقلية،‭ ‬وقد‭ ‬تستبدل‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬الجوانب‭ ‬في‭ ‬نماذج‭ ‬أخرى‭ ‬بالذاتية‭ ‬والترفيهية‭ ‬والثقافية‭!‬

في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬لو‭ ‬تمعنا‭ ‬فيما‭ ‬حقق‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬إلهام‭ ‬البشرية‭ ‬بما‭ ‬قدّموا‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬يشار‭ ‬إليه‭ ‬بالبنان،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬محدّد،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الذاتي‭ ‬أو‭ ‬القيمة‭ ‬العليا‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬الروح،‭ ‬والتي‭ ‬فعّلوها‭ ‬بهدف‭ ‬صنعوا‭ ‬به‭ ‬الفرق،‭ ‬أي‭ ‬إضافة‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬خدمة‭ ‬البشرية‭. ‬وهم‭ ‬بهذا‭ ‬انطلقوا‭ ‬من‭ ‬المحور‭ ‬الذاتي‭ ‬الضمني،‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬روحيا‭ ‬أو‭ ‬عقليا‭ ‬أو‭ ‬صحيا‭ ‬أو‭ ‬مهنيا‭ ‬أو‭ ‬اجتماعيا‭ ‬أو‭ ‬ماليا‭ ‬أو‭ ‬أسريا،‭ ‬ليوازنوا‭ ‬بعدها‭ ‬ما‭ ‬تتطلبه‭ ‬الجوانب‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬حسب‭ ‬مقاييسهم‭ ‬هم،‭ ‬لا‭ ‬نحن‭ ‬ولا‭ ‬هؤلاء،‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬لكل‭ ‬مقاييسه‭ ‬الخاصة‭ ‬به،‭ ‬والتي‭ ‬يحتاجها‭ ‬جسده‭ ‬للقيام‭ ‬بتأدية‭ ‬هدفه‭ ‬الروحي‭ ‬الذاتي‭.‬

نحن‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬الإنسانية،‭ ‬عصر‭ ‬الرقي،‭ ‬نتكلم‭ ‬به‭ ‬عن‭ ‬“الطب‭ ‬الشخصي”‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬مبدأ‭ ‬الجينات‭ ‬والأدوية‭ ‬الفعّالة‭ ‬لكل‭ ‬فرد،‭ ‬فكيف‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬شخصانية‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬فيما‭ ‬يحب‭ ‬ويهوى‭ ‬ويتوق‭ ‬إلى‭ ‬إنجازه،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬من‭ ‬رسم‭ ‬أهداف‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجال‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬رسم‭ ‬على‭ ‬ورق،‭ ‬لأنه‭ ‬نموذج‭ ‬لا‭ ‬يعمل،‭ ‬بل‭ ‬يدمر،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬يخلق‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والقلق،‭ ‬لأن‭ ‬الإنسان‭ ‬بهذه‭ ‬الأهداف‭ ‬المهولة،‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬كر‭ ‬وفر،‭ ‬فيشتت‭ ‬طاقته‭ ‬الجسدية‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وبلا‭ ‬تحقيق‭ ‬لشيء،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬دوّامة‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬إلى‭ ‬شيء،‭ ‬وبلا‭ ‬تركيز‭ ‬في‭ ‬العشق‭ ‬الأساسي‭ ‬وهو‭ ‬القيمة‭ ‬العليا‭ ‬الذاتية،‭ ‬التي‭ ‬منها‭ ‬التوازن‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭.‬

إن‭ ‬رسالة‭ ‬إكسير‭ ‬الحياة،‭ ‬هي‭ ‬رسالة‭ ‬إنسانية،‭ ‬فيها‭ ‬إدراك‭ ‬“عجلة‭ ‬الحياة‭ ‬الربانية‭ ‬الرحيمة‭ ‬الكونية”‭ ‬التي‭ ‬بها‭ ‬يتحقق‭ ‬الإبداع‭ ‬والحب‭ ‬والسعادة‭ ‬والشفاء‭ ‬والصحة‭ ‬المستدامة،‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬الذات‭.‬