أثر اﻟﻐﻠﻂ في العقد

| د. عبدالقادر ورسمه

من‭ ‬أهم‭ ‬أركان‭ ‬العقد‭ ‬توفر‭ ‬الرضا،‭ ‬لأن‭ ‬العقد‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬بقناعة‭ ‬واقتناع‭ ‬الأطراف،‭ ‬لذا‭ ‬يقال‭ ‬“العقد‭ ‬شريعة‭ ‬المتعاقدين”،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬اتفقا‭ ‬عليه‭ ‬وفق‭ ‬إرادتهما‭ ‬الكاملة‭ ‬الحرة‭ ‬غير‭ ‬المشوبة‭. ‬وهناك‭ ‬حالات‭ ‬معينة‭ ‬ذكرها‭ ‬القانون‭ ‬المدني،‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬الرضا‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬حالة‭ ‬الغلط‭ ‬“مستيك”‭. ‬ووفق‭ ‬القانون،‭ ‬فإن‭ ‬حدوث‭ ‬الغلط‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬ﻋﻴــﻮب‭ ‬الرضا‭ ‬وبالتالي‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬وقانونية‭ ‬العقد‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭. ‬

وبصفة‭ ‬عامة،‭ ‬فان‭ ‬الغلط‭ ‬في‭ ‬العقد،‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬اعتقاد‭ ‬خاطئ‭ ‬“خطأ”‭ ‬يطرأ‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬المتعاقد‭ ‬للدرجة‭ ‬التي‭ ‬توهمه‭ ‬على‭ ‬تصور‭ ‬غير‭ ‬الواقع‭ ‬تصورا‭ ‬كاذبا‭ ‬“خطأ”،‭ ‬يدفعه‭ ‬إلى‭ ‬إبرام‭ ‬عقد‭ ‬قانوني‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ليحصل‭ ‬لو‭ ‬تبين‭ ‬له‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭. ‬فالغلط،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬“اعتقاد‭ ‬خاطئ”‭ ‬يطرأ‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬المتعاقد‭ ‬فيصور‭ ‬له‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬حقيقته‭ ‬ويكون‭ ‬هو‭ ‬الدافع‭ ‬الأساسي‭ ‬الى‭ ‬التعاقد‭. ‬وهذا‭ ‬“الاعتقاد‭ ‬الخاطئ”‭ ‬تصور‭ ‬كاذب‭ ‬يؤدي‭ ‬بالمتعاقد‭ ‬إلى‭ ‬إبرام‭ ‬عقد‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ليبرمه‭ ‬لو‭ ‬تبين‭ ‬حقيقة‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭. ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬فانه‭ ‬يصيب‭ ‬أو‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬“الإرادة”‭ ‬عند‭ ‬إبرام‭ ‬التعاقد‭ ‬فيوجهها‭ ‬وجهة‭ ‬لا‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬هذا‭ ‬المتعاقد‭ ‬وعلى‭ ‬غير‭ ‬حقيقته‭. ‬

وعند‭ ‬حدوث‭ ‬الغلط،‭ ‬فإن‭ ‬الإرادة‭ ‬بنيت‭ ‬على‭ ‬وقائع‭ ‬غير‭ ‬حقيقية‭ ‬“مغلوطة”،‭ ‬ولذا‭ ‬فإن‭ ‬القانون‭ ‬قرر‭ ‬عدم‭ ‬صلاحية‭ ‬هذه‭ ‬الإرادة‭ ‬لترتيب‭ ‬الآثار‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬قصدتها‭. ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يبرر‭ ‬حماية‭ ‬القانون‭ ‬للمتعاقد‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬غلط‭ ‬أو‭ ‬كان‭ ‬ضحية‭ ‬لهذا‭ ‬الغلط‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬بأي‭ ‬صفة‭. ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬حرية‭ ‬الإرادة‭ ‬عند‭ ‬التعاقد،‭ ‬فإن‭ ‬القانون‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬إعطاء‭ ‬الحق‭ ‬لهذا‭ ‬المتعاقد‭ ‬في‭ ‬إبطال‭ ‬تصرفه‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬بسبب‭ ‬“الغلط”،‭ ‬وبذا‭ ‬يصبح‭ ‬العقد‭ ‬“قابلا‭ ‬للإبطال”‭ ‬لعدم‭ ‬توفر‭ ‬ونقصان‭ ‬الإرادة‭ ‬بسبب‭ ‬الغلط‭ ‬في‭ ‬الوقائع‭ ‬والمعطيات‭ ‬المتوفرة‭. ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬القول،‭ ‬إنه‭ ‬إضافة‭ ‬للغلط،‭ ‬هناك‭ ‬حالات‭ ‬أخرى‭ ‬تجعل‭ ‬العقد‭ ‬قابلا‭ ‬للإبطال‭ ‬مثل‭ ‬الإكراه‭ ‬عند‭ ‬التعاقد‭ ‬أو‭ ‬انتهاج‭ ‬الغش‭ ‬والتدليس،‭ ‬ولكل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬شروطه‭ ‬ومعطياته‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬إبطال‭ ‬العقد‭ ‬بموجبها‭.‬

ولتوضيح‭ ‬الغلط،‭ ‬نذكر‭ ‬هذا‭ ‬المثال،‭ ‬شخص‭ ‬لديه‭ ‬قطعتا‭ ‬أرض‭ ‬بنفس‭ ‬المواصفات‭ ‬والصفات‭ ‬وعرض‭ ‬إحداهما‭ ‬للبيع،‭ ‬وهو‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬بيع‭ ‬القطعة‭ (‬أ‭)‬،‭ ‬ووافق‭ ‬المتعاقد‭ ‬على‭ ‬الشراء‭ ‬وهو‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬القطعة‭ (‬ب‭). ‬هنا‭ ‬الغلط‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬واضح‭ ‬لأن‭ ‬ذهن‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬كان‭ ‬ينصرف‭ ‬لقطعة‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬الحقيقية،‭ ‬وهذا‭ ‬يجعل‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬العقد‭ ‬قابل‭ ‬للإبطال‭ ‬“فويدأبل‭ ‬كونتراكت”‭ ‬لوجود‭ ‬الغلط‭ ‬عند‭ ‬التعاقد‭. ‬وهذا‭ ‬بالطبع،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يقبل‭ ‬المشتري‭ ‬بالقطعة‭ ‬الأخرى‭ ‬بعد‭ ‬علمه‭ ‬بالحقيقة،‭ ‬لأن‭ ‬إبطال‭ ‬العقد‭ ‬يعود‭ ‬له‭ ‬وفق‭ ‬إرادته‭ ‬الكاملة‭ ‬غير‭ ‬المعيبة‭. ‬ووفق‭ ‬القانون،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬الرضا‭ ‬خاليا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬العيوب،‭ ‬وأولها‭ ‬“الغلط”‭. ‬