“حتى يُغيّروا ما بأنفسهم”

| هدى حرم

‭ ‬نحمدُ‭ ‬الله‭ ‬أنْ‭ ‬منَّ‭ ‬علينا‭ ‬بعمرٍ‭ ‬جديد‭ ‬وفرصةٍ‭ ‬أخرى‭ ‬نحيا‭ ‬فيها‭ ‬أجواء‭ ‬شهره‭ ‬الكريم،‭ ‬فنصومَ‭ ‬أيامه‭ ‬ونقومَ‭ ‬لياليه،‭ ‬ونعيشَ‭ ‬أجواءَه‭ ‬الروحانية‭ ‬التي‭ ‬تميزهُ‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬أشهرِ‭ ‬السنة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬يأتي‭ ‬مختلفاً‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬إذ‭ ‬تزامن‭ ‬قدومه‭ ‬مع‭ ‬الوباء،‭ ‬إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬ذلك‭ ‬لمْ‭ ‬يفقده‭ ‬رهبته‭ ‬وأجواءه‭ ‬العبادية‭ ‬الخاصة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬النقيض؛‭ ‬أتى‭ ‬على‭ ‬البشرية‭ ‬وهم‭ ‬يستشعرون‭ ‬روحانيةً‭ ‬عاليةً‭ ‬وتقرباً‭ ‬خالصاً‭ ‬للباري‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬بسبب‭ ‬الجائحة‭.‬

باتَ‭ ‬الناسُ‭ ‬أكثرَ‭ ‬تقرباً‭ ‬من‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض،‭ ‬بغض‭ ‬النظرِ‭ ‬عن‭ ‬التباعدِ‭ ‬الجسدي،‭ ‬وأصبحوا‭ ‬يتقصونَ‭ ‬أحوالَ‭ ‬بعضهم،‭ ‬صاروا‭ ‬يشعرون‭ ‬أكثر‭ ‬بحاجات‭ ‬الفقراء‭ ‬ومنْ‭ ‬فقدَ‭ ‬مصدرَ‭ ‬رزقه‭ ‬بسبب‭ ‬الوباء،‭ ‬باتوا‭ ‬يتواصلون‭ ‬أكثرَ‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬وسائلِ‭ ‬الاتصالِ‭ ‬المتعددة،‭ ‬تطوعوا‭ ‬لخدمة‭ ‬الناس‭ ‬وحمايتهم‭ ‬من‭ ‬العدوى؛‭ ‬فانتشروا‭ ‬لتقديمِ‭ ‬الدعمِ‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬أغلبُنا‭ ‬تغير؛‭ ‬فمنْ‭ ‬لمْ‭ ‬تغيَّرهُ‭ ‬الجائحة‭ ‬فقد‭ ‬يغيره‭ ‬الصيامُ‭ ‬والدعاءُ‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬الله‭ ‬“من‭ ‬تساوى‭ ‬يوماه‭ ‬فهو‭ ‬مغبون”‭.‬

هذه‭ ‬إذاً‭ ‬فرصةٌ‭ ‬ثانية‭ ‬قد‭ ‬تكونُ‭ ‬الأخيرةَ‭ ‬لندعوا‭ ‬الله‭ ‬بفنونِ‭ ‬الدعوات‭ ‬ونخلصَ‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العبادة‭ ‬ونبتهلَ‭ ‬بصدقٍ‭ ‬كي‭ ‬يُنجينا‭ ‬من‭ ‬الوباء‭ ‬ويرفعَ‭ ‬عنا‭ ‬البلاء؛‭ ‬فكيف‭ ‬يكون‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الجائحةِ‭ ‬كما‭ ‬قبله،‭ ‬وما‭ ‬قبل‭ ‬رمضانَ‭ ‬كما‭ ‬بعده‭. ‬“إنَّ‭ ‬اللهَ‭ ‬لا‭ ‬يغيرُ‭ ‬ما‭ ‬بقومٍ‭ ‬حتى‭ ‬يُغيّروا‭ ‬ما‭ ‬بأنفسِهم”،‭ ‬فلنغيِّرْ‭ ‬ما‭ ‬بأنفسنا،‭ ‬ولننظرْ‭ ‬في‭ ‬سلوكاتِنا‭ ‬مع‭ ‬اللهِ‭ ‬والناس،‭ ‬لننبذ‭ ‬الخلاف‭ ‬والفرقة،‭ ‬ولنتوقف‭ ‬عن‭ ‬تسفيهِ‭ ‬الآخرينَ‭ ‬وتمجيدِ‭ ‬ذواتنا،‭ ‬لننشغلَ‭ ‬بتقويمِ‭ ‬أنفسِنا‭ ‬عن‭ ‬مراقبةِ‭ ‬البشر،‭ ‬لنتصف‭ ‬بالكريمِ‭ ‬من‭ ‬الخُلق،‭ ‬ولنكنْ‭ ‬مثالاً‭ ‬يُحتذى‭ ‬للمسلمِ‭ ‬الحق‭ ‬الذي‭ ‬يريده‭ ‬اللهُ‭ ‬ورسوله‭. ‬فهلاّ‭ ‬تحيّنا‭ ‬الفرصةَ‭ ‬الأخيرةَ‭ ‬لنكونَ‭ ‬خلفاءَ‭ ‬اللهِ‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬فنتوبَ‭ ‬إليه،‭ ‬ونعبدهُ‭ ‬حقَ‭ ‬عبادته‭ ‬فيشملُنا‭ ‬برحمته‭ ‬ويُدِرَ‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬بركاته‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭.‬