حان الوقت... لترويض الوقت

| أميرة صليبيخ

في‭ ‬أوقات‭ ‬سابقة،‭ ‬كنا‭ ‬دائما‭ ‬نتخذ‭ ‬ذريعة‭ ‬“الوقت‭ ‬الضيق”‭ ‬كجواب‭ ‬لكل‭ ‬الأحلام‭ ‬المؤجلة‭ ‬والأعمال‭ ‬غير‭ ‬المنجزة،‭ ‬وكأن‭ ‬الوقت‭ ‬لو‭ ‬امتد‭ ‬لساعات‭ ‬إضافية‭ ‬لكان‭ ‬كافيا‭ ‬للإيفاء‭ ‬بالمطلوب‭. ‬إنها‭ ‬الذريعة‭ ‬الأكثر‭ ‬استهلاكا‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البشر،‭ ‬والغالبية‭ ‬منا‭ ‬تعرف‭ ‬في‭ ‬أعماقها‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬أعذار‭ ‬باهتة‭ ‬للتهرب‭ ‬وعدم‭ ‬مواجهة‭ ‬النفس‭ ‬حتى‭ ‬إشعار‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬سنة‭ ‬أخرى‭. ‬كثيرون‭ ‬ممن‭ ‬التقيت‭ ‬بهم‭ ‬يلوكون‭ ‬هذه‭ ‬الأعذار‭ ‬أمامي‭ ‬كلما‭ ‬سألتهم‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬عدم‭ ‬القراءة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يشكون‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الملل‭ ‬والفراغ،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬عذر‭ ‬منطقي‭ ‬يسوقونه‭ ‬أمام‭ ‬عقلي‭.‬

ولعل‭ ‬أزمة‭ ‬الكورونا‭ ‬والحجر‭ ‬المنزلي‭ ‬منحتنا‭ ‬جميعا‭ ‬أوقاتا‭ ‬فضفاضة‭ ‬لنعبئها‭ ‬بما‭ ‬نريد‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬وهوايات‭ ‬ورغبات،‭ ‬لكن‭ ‬الشكوى‭ ‬ذاتها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستمرة،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬بعد‭ ‬كيفية‭ ‬الاستغلال‭ ‬الأمثل‭ ‬للحجر،‭ ‬هؤلاء‭ ‬أشفق‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬أنفسهم،‭ ‬إذ‭ ‬سيبقون‭ ‬كما‭ ‬هم‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬وأجزم‭ ‬بأنهم‭ ‬سيبقون‭ ‬كذلك‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬10‭ ‬أعوام‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬ما‭ ‬داموا‭ ‬بهذه‭ ‬العقلية‭!‬

إن‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تضيف‭ ‬فيه‭ ‬لعقلك‭ ‬معلومة‭ ‬قيمة‭ ‬ولا‭ ‬تشغله‭ ‬بالقراءة‭ ‬الهادفة،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬يوم‭ ‬ضائع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يعود،‭ ‬فاحسب‭ ‬كم‭ ‬ضاع‭ ‬من‭ ‬أيامك‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭! ‬يقول‭ ‬ماريو‭ ‬فارغاس‭ ‬يوسا‭ ‬الكاتب‭ ‬البيروفي،‭ ‬الحائز‭ ‬على‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‭ ‬لعام‭ ‬2010‭ ‬“إن‭ ‬البعض‭ ‬يعتبر‭ ‬قراءة‭ ‬الأدب‭ ‬نشاطا‭ ‬كماليا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنه‭... ‬ترفا‭ ‬للأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يملكون‭ ‬فراغا”‭.‬

مؤسف‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬عملية‭ ‬القراءة‭ ‬ترفا‭ ‬لمن‭ ‬لديه‭ ‬فائض‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يزجيه‭! ‬القراءة‭ ‬ليست‭ ‬ترفا،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬الحياة،‭ ‬وأهم‭ ‬مقوم‭ ‬لبناء‭ ‬الشخصية‭ ‬وتطوير‭ ‬الفكر‭ ‬وقيام‭ ‬المجتمعات‭.‬

لا‭ ‬تركن‭ ‬أبداً‭ ‬إلى‭ ‬الملل،‭ ‬خذ‭ ‬كتابا‭ ‬وابدأ‭ ‬الآن،‭ ‬نعم‭ ‬الآن‭.. ‬فقد‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لترويض‭ ‬الوقت،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتركه‭ ‬يروضك‭ ‬كيفما‭ ‬شاء‭ ‬وشاء‭ ‬الآخرون‭.‬