ريشة في الهواء

الحياة هي الحياة

| أحمد جمعة

الحياة‭ ‬بسيطة‭ ‬جدًا‭ ‬وسهلة‭ ‬لو‭ ‬فقط‭ ‬فتحنا‭ ‬عقولنا‭ ‬وقلوبنا‭ ‬وأدركنا‭ ‬أن‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬يحيط‭ ‬بنا‭ ‬غالبًا‭ ‬من‭ ‬شكوى‭ ‬وتذمر‭ ‬واعتراض‭ ‬منبعهُ‭ ‬تكبير‭ ‬وتضخيم‭ ‬مظاهر‭ ‬صغيرة‭ ‬أو‭ ‬عوارض‭ ‬عابرة،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬معاناة‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬ومشاكل‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬ولا‭ ‬لَوّم‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬لو‭ ‬اشتكوا‭ ‬أو‭ ‬تذمروا‭ ‬من‭ ‬الحياة،‭ ‬لكن‭ ‬حتى‭ ‬أولئك‭ ‬يمكنهم‭ ‬تجاوز‭ ‬تلك‭ ‬المعاناة‭ ‬لو‭ ‬نظروا‭ ‬للحياة‭ ‬نظرة‭ ‬ملهمة‭ ‬محتواها‭ ‬خذ‭ ‬ما‭ ‬تمنحك‭ ‬الحياة‭ ‬ولتبني‭ ‬عليه‭ ‬آمالك‭ ‬وأحلامك‭ ‬وتجاوز‭ ‬النظرة‭ ‬السوداء‭ ‬برؤية‭ ‬أشياء‭ ‬لم‭ ‬ترها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬لأنك‭ ‬كنت‭ ‬محصورًا‭ ‬ضمن‭ ‬زاوية‭ ‬ضيقة‭ ‬تعتقد‭ ‬أنك‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬تكرهه‭ ‬الحياة‭ ‬وتعانده‭ ‬ولو‭ ‬بحثت‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬لوجدتها‭ ‬من‭ ‬صنعك‭ ‬ومن‭ ‬نتاج‭ ‬أفكارك،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬عجينة‭ ‬أنت‭ ‬من‭ ‬قمت‭ ‬بتشكيلها‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬نظرت‭ ‬للحياة‭ ‬وكأنها‭ ‬كائن‭ ‬خرافي‭ ‬مستقل‭ ‬هبط‭ ‬من‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭.‬

ما‭ ‬هي‭ ‬الحياة‭ ‬بظنك؟‭ ‬هي‭ ‬مجمل‭ ‬أفكارك،‭ ‬كلّ‭ ‬ذكرياتك؟‭ ‬مشاعرك‭ ‬التي‭ ‬تصنعها‭ ‬أفكارك‭ ‬ثم‭ ‬موروثك‭ ‬الذي‭ ‬فتحت‭ ‬عينيك‭ ‬عليه،‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬مسلما‭ ‬أو‭ ‬مسيحيا‭ ‬أو‭ ‬يهوديا‭ ‬أو‭ ‬بلا‭ ‬دين،‭ ‬ثم‭ ‬محيطك‭ ‬الجغرافي،‭ ‬تخيّل‭ ‬لو‭ ‬وُلدت‭ ‬في‭ ‬المحرق‭ ‬أو‭ ‬نيويورك‭ ‬أو‭ ‬ميلانو‭... ‬أو‭ ‬مكة‭... ‬ثم‭ ‬اعتقادك‭ ‬الذي‭ ‬تشكل‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬ليشكل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الحياة‭... ‬وهكذا‭ ‬لو‭ ‬فهمت‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬بإمكانك‭ ‬العيش‭ ‬بسعادة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بلا‭ ‬معاناة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تعرضت‭ ‬لأي‭ ‬عارض‭ ‬مفاجئ‭ ‬أو‭ ‬عابر‭ ‬فإن‭ ‬فهمك‭ ‬لهذه‭ ‬العناصر‭ ‬سيقلل‭ ‬هذه‭ ‬المعاناة‭.‬

قبل‭ ‬فترة‭ ‬واجهت‭ ‬مجموعة‭ ‬حوادث‭ ‬صغيرة‭ ‬جدًا‭ ‬قلبت‭ ‬توازني‭ ‬ورفعت‭ ‬ضغطي‭ ‬وكدت‭ ‬أجن‭ ‬ولكن‭ ‬قلت‭ ‬لنفسي‭ ‬اهدأ‭ ‬وحاول‭ ‬ألا‭ ‬تسمع‭ ‬تلك‭ ‬الأصوات‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موجودة‭ ‬واستعض‭ ‬عنها‭ ‬بسماع‭ ‬صوت‭ ‬الحياة‭ ‬بداخلك‭ ‬والذي‭ ‬يزخر‭ ‬بأصوات‭ ‬أجمل‭ ‬وأرقى‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬سببت‭ ‬لك‭ ‬تلك‭ ‬الحالة،‭ ‬وحتى‭ ‬يدرك‭ ‬القارئ‭ ‬العزيز‭ ‬مصدر‭ ‬تلك‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬سببت‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬ألخصها‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬التالي‭:‬

بالرغم‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬حصار‭ ‬كورونا‭ ‬وفرض‭ ‬العزلة‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬طول‭ ‬وقتي‭ ‬بيتوتي،‭ ‬لي‭ ‬جاران‭ ‬أسامحهما،‭ ‬فرضا‭ ‬عَليّ‭ ‬قسرًا‭ ‬سماع‭ ‬نباح‭ ‬كلبيهما‭ ‬ليلًا‭ ‬ونهارًا‭ ‬بالإضافة‭ ‬لمنظر‭ ‬أحدهما،‭ ‬ولن‭ ‬أذكر‭ ‬التفاصيل،‭ ‬فوق‭ ‬ذلك‭ ‬أسكن‭ ‬قرب‭ ‬المطار،‭ ‬ويصادف‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يختلط‭ ‬صوت‭ ‬الكلاب‭ ‬بصوت‭ ‬الطائرات‭ ‬بشجار‭ ‬القطط‭ ‬التي‭ ‬تهب‭ ‬عليها‭ ‬موجة‭ ‬عراك‭ ‬لا‭ ‬تفهم‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬شجار‭ ‬أم‭ ‬عتاب؟‭ ‬ثم‭ ‬يصادف‭ ‬بعض‭ ‬الليالي‭ ‬التي‭ ‬أسهر‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬الفجر‭ ‬أن‭ ‬يعلو‭ ‬صوت‭ ‬مكبر‭ ‬الأذان‭ ‬على‭ ‬مداه‭ ‬ليأتي‭ ‬بعده‭ ‬بقليل‭ ‬صوت‭ ‬جلبة‭ ‬سيارة‭ ‬البلدية‭ ‬ترفع‭ ‬صناديق‭ ‬النفايات‭ ‬ليبدأ‭ ‬النهار‭ ‬بطوله‭ ‬مع‭ ‬صوت‭ ‬نواح‭ ‬الحمام‭ ‬على‭ ‬شرفات‭ ‬النوافذ‭.‬

هذا‭ ‬ملخص‭ ‬الضوضاء‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أظن‭ ‬أنني‭ ‬سأهجر‭ ‬المنطقة‭ ‬بسببها،‭ ‬لكن‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬أحاول‭ ‬تقبل‭ ‬الحياة‭ ‬بلطف‭ ‬وأتعامل‭ ‬معها‭ ‬بتفكير‭ ‬مفاده‭ ‬أننا‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬نصنع‭ ‬الحياة‭ ‬وليست‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تصنعنا‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

الصمت‭ ‬وقت‭ ‬الضوضاء‭ ‬أقوى‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الرأي‭.‬