الابتكار والإبداع

| د. عبدالله الحواج

مما‭ ‬لاشك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬عالم‭ ‬كورونا‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬قبله‭ ‬أو‭ ‬بعده،‭ ‬وأن‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬من‭ ‬“الجائحة”‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬بمثابة‭ ‬البوصلة‭ ‬التي‭ ‬تحرك‭ ‬مصائر‭ ‬أيامنا،‭ ‬وثوابت‭ ‬حياتنا،‭ ‬ومفترقات‭ ‬عوالمنا‭.‬

رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬في‭ ‬طلاته‭ ‬المبشرة،‭ ‬وفي‭ ‬توجيهاته‭ ‬المتكررة‭ ‬يذكرنا‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬القادم‭ ‬سيكون‭ ‬حتمًا‭ ‬مختلفًا،‭ ‬وأن‭ ‬الركون‭ ‬إلى‭ ‬سوابق‭ ‬العهد‭ ‬عند‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬التحدي،‭ ‬لا‭ ‬يغني‭ ‬ولا‭ ‬يسمن‭ ‬من‭ ‬جوع،‭ ‬القادم‭ ‬مختلف؛‭ ‬لأن‭ ‬الوافد‭ ‬كان‭ ‬مفاجئًا،‭ ‬والمستقبل‭ ‬مختلف؛‭ ‬لأن‭ ‬الحاضر‭ ‬كان‭ ‬ومازال‭ ‬يفجر‭ ‬من‭ ‬الهزات‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يبعث‭ ‬على‭ ‬التفاؤل‭.‬

خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬يشدد‭ ‬على‭ ‬الابتكار،‭ ‬على‭ ‬الإبداع،‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬خارج‭ ‬الصناديق‭ ‬المغلقة،‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬السلال‭ ‬المهملة،‭ ‬يدعونا‭ ‬مثلًا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬سباقين‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬علوم‭ ‬الحياة‭ ‬القادمة،‭ ‬وأن‭ ‬نصل‭ ‬مبكرًا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مواعيدنا،‭ ‬أن‭ ‬نرحب‭ ‬بالحدث‭ ‬ونستلهم‭ ‬منه‭ ‬العبر‭ ‬والعظات،‭ ‬وألا‭ ‬نتركه‭ ‬يستقبلنا‭ ‬بالجوائح‭ ‬والمفاجآت‭ ‬والكوارث‭ ‬المزلزلة‭.‬

الإبداع‭ ‬والابتكار‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الرئيس‭ ‬منظومة‭ ‬متنوعة،‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬والفنون‭ ‬والقدرات‭ ‬الخاصة،‭ ‬سلة‭ ‬متكاملة‭ ‬الأركان،‭ ‬كاملة‭ ‬الأوصاف‭ ‬والمعاني‭ ‬لجادة‭ ‬الاجتهاد‭ ‬والمناشدة‭ ‬بأن‭ ‬قضايانا‭ ‬الإنسانية‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬“أدلجتها”،‭ ‬وأن‭ ‬أفكارنا‭ ‬المجتمعية‭ ‬لا‭ ‬ينبغى‭ ‬التنظير‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬بعيد‭.‬

العالم‭ ‬الصغير‭ ‬جدًا‭ ‬كحبة‭ ‬العدس‭ ‬المستقرة‭ ‬أصبح‭ ‬حقلًا‭ ‬خصبًا‭ ‬للتجارب،‭ ‬المرضى‭ ‬الموبوؤون‭ ‬بالفيروس‭ ‬معمل‭ ‬متكامل‭ ‬الأركان‭ ‬لإنتاج‭ ‬لقاحات،‭ ‬واكتشاف‭ ‬علاجات،‭ ‬واستنباط‭ ‬وسائل‭ ‬وقاية‭ ‬لا‭ ‬تخطئها‭ ‬العين‭.‬

العناية‭ ‬المركزة‭ ‬المتجولة،‭ ‬أجهزة‭ ‬التنفس‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬وأجهزة‭ ‬الطواقم‭ ‬الطبية‭ ‬المانعة،‭ ‬المناعة‭ ‬الطبيعية‭ ‬المكتسبة،‭ ‬إلغاء‭ ‬الفكرة‭ ‬الملوثة‭ ‬بمناعة‭ ‬القطيع،‭ ‬احتدام‭ ‬المنافسة‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬على‭ ‬كشف‭ ‬علمي‭ ‬ساحق،‭ ‬أو‭ ‬النزول‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬بكمامات‭ ‬سابقة‭ ‬الإعداد‭ ‬والتجهيز،‭ ‬وقفازات‭ ‬تتحدث‭ ‬بكل‭ ‬لغات‭ ‬العالم،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يوحدنا،‭ ‬يجعلنا‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬رجل‭ ‬واحد،‭ ‬في‭ ‬السراء‭ ‬والضراء،‭ ‬سواسية‭ ‬كأسنان‭ ‬المشط،‭ ‬في‭ ‬الوباء‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬دواء‭ ‬داخل‭ ‬سفينة‭ ‬نوح‭ ‬الافتراضية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬افتراضيًا‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الهواتف‭ ‬النقالة‭ ‬وأجهزة‭ ‬الحاسوب‭ ‬السيارة،‭ ‬وبعض‭ ‬الابتكارات‭ ‬العلمية‭ ‬الفائقة‭.‬

الرئيس‭ ‬القائد‭ ‬يوجه‭ ‬نحو‭ ‬الابتكار‭ ‬والإبداع‭ ‬ونحن‭ ‬نقول‭ ‬لسموه‭: ‬سمعًا‭ ‬وطاعة،‭ ‬على‭ ‬الرحب‭ ‬والسعة،‭ ‬نحن‭ ‬نرحب‭ ‬وسموكم‭ ‬توجهون،‭ ‬نحن‭ ‬نستمع‭ ‬جيدًا‭ ‬وسموكم‭ ‬تتحدثون،‭ ‬ونحن‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬المواجهة‭ ‬من‭ ‬خلفكم‭ ‬وسموكم‭ ‬تتقدمون‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الحالة‭ ‬الخاصة‭ ‬جدًا‭ ‬لوطن‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتنصل‭ ‬من‭ ‬مسئولياته،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬الجائحة‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وسط‭ ‬عالم‭ ‬وللأسف‭ ‬الشديد‭ ‬لم‭ ‬يحترز‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الكفاية،‭ ‬ولم‭ ‬يأخذ‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬أن‭ ‬التقدم‭ ‬ليس‭ ‬ترفًا،‭ ‬ليس‭ ‬بهلوانًا‭ ‬في‭ ‬سيرك،‭ ‬أو‭ ‬مصارعة‭ ‬ديكة‭ ‬في‭ ‬حلبات‭ ‬مجنونة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬رياضة‭ ‬منتقاة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية‭ ‬البعيد‭.‬

عين‭ ‬العقل‭ ‬هي‭ ‬عين‭ ‬اليقين،‭ ‬قلب‭ ‬يؤمن،‭ ‬وعقل‭ ‬يتبصر،‭ ‬وقادة‭ ‬يتفكرون،‭ ‬علماء‭ ‬ينتصرون‭ ‬لعقيدة‭ ‬المعرفة،‭ ‬ومن‭ ‬قبلهم‭ ‬مسئولون‭ ‬ينثرون‭ ‬الورود‭ ‬والرياحين‭ ‬في‭ ‬طريقهم،‭ ‬لكن‭ ‬كيف‭ ‬كأساتذة‭ ‬جامعات‭ ‬وكجامعات‭ ‬نستقي‭ ‬من‭ ‬توجيهات‭ ‬الرئيس‭ ‬القائد‭ ‬الفكرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬مُعاش؟‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للنظريات‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬حقول‭ ‬تجارب‭ ‬بهدف‭ ‬إيجاد‭ ‬علاجات‭ ‬ناجعة‭ ‬لمشكلات‭ ‬الناس؟

تلك‭ ‬هي‭ ‬الأسئلة‭ ‬المثارة‭ ‬اليوم،‭ ‬وكل‭ ‬يوم،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجائحة‭ ‬وما‭ ‬بعدها،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬التوجيه‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬بردًا‭ ‬وسلامًا‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬العلمية‭ ‬برمتها،‭ ‬ومن‭ ‬بعد‭ ‬التوجيه‭ ‬السامي‭ ‬الذي‭ ‬يضعنا‭ ‬جميعًا‭ ‬ووجهًا‭ ‬لوجه‭ ‬أمام‭ ‬التحدي‭ ‬وخلف‭ ‬القيادة،‭ ‬وعلى‭ ‬نفس‭ ‬المستوى‭ ‬مع‭ ‬جيوشنا‭ ‬المباركة‭ ‬البيضاء‭.‬