ابن سينا و “كورونا”

| رضي السماك

مع‭ ‬بدايات‭ ‬تفشي‭ ‬وباء‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية،‭ ‬أخذ‭ ‬يتفشى‭ ‬بالتوازي‭ ‬معه‭ ‬عبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الفضائيات‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الوباء‭ ‬يتمثل‭ ‬فيما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬شريحة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الدين،‭ ‬وليس‭ ‬كلهم،‭ ‬من‭ ‬تفسيرات‭ ‬غير‭ ‬علمية‭ ‬لأسباب‭ ‬الجائحة‭ ‬ووصفات‭ ‬شعوذة‭ ‬علاجية،‭ ‬واستخفاف‭ - ‬عن‭ ‬جهل‭ - ‬بالتفسير‭ ‬العلمي‭ ‬لتفشيها‭ ‬والتعليمات‭ ‬الوقائية‭ ‬العالمية‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬غولها‭. ‬

ومنذ‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسابيع‭ ‬يتداول‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مقطع‭ ‬من‭ ‬فيلم‭ ‬روسي‭ ‬قديم‭ ‬بعنوان‭ ‬“ابن‭ ‬سينا”،‭ ‬وهو‭ ‬علم‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬حضارتنا‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وجاء‭ ‬هذا‭ ‬المقطع‭ ‬في‭ ‬توقيته‭ ‬المناسب‭ ‬ليذكرنا‭ ‬ليس‭ ‬بصفحة‭ ‬مشرقة‭ ‬من‭ ‬تراثنا‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬ويفنّد‭ ‬شعوذات‭ ‬جهلتنا،‭ ‬ويذكر‭ ‬الغرب‭ ‬التي‭ ‬يستغلها‭ ‬في‭ ‬إعلامه‭ ‬للتشهير‭ ‬بنا؛‭ ‬فأين‭ ‬كنا‭ ‬وكيف‭ ‬أصبحنا؟‭ ‬

وأنت‭ ‬تتابع‭ ‬وقائع‭ ‬المقطع‭ ‬المترجم‭ ‬تنتابك‭ ‬صدمة‭ ‬ممزوجة‭ ‬بالدهشة‭ ‬والذهول‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬ذلك‭ ‬الطبيب‭ ‬والفيلسوف‭ ‬قبل‭ ‬ألف‭ ‬عام‭ ‬ونيف‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬عميقة‭ ‬بشؤون‭ ‬الطب،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬موسوعة‭ ‬زمانه‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬شتى،‭ ‬إذ‭ ‬يصف‭ ‬لك‭ ‬بدقة‭ ‬خواص‭ ‬وباء‭ ‬زمانه‭ ‬وسُبل‭ ‬محاصرته‭ ‬والتخلص‭ ‬منه،‭ ‬فكأنه‭ ‬يعايش‭ ‬عصرنا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الجائحة،‭ ‬وصف‭ ‬الوباء‭ ‬بأنه‭ ‬ينتقل‭ ‬بملامسة‭ ‬الأيدي‭ ‬ويلتصق‭ ‬بالشعر‭ ‬والملابس،‭ ‬ومن‭ ‬إرشاداته‭ ‬لتفادي‭ ‬تفاقم‭ ‬الوباء‭ ‬الذي‭ ‬عُرف‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬بـ‭ ‬“الموت‭ ‬الأسود”‭: ‬ضرورة‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬غسل‭ ‬الأيدي‭ ‬والوجوه‭ ‬في‭ ‬محلول‭ ‬من‭ ‬الخل،‭ ‬تجنب‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬التجمع،‭ ‬التزام‭ ‬الحجر‭ ‬المنزلي،‭ ‬غلق‭ ‬الأسواق‭ ‬والمساجد‭ ‬وأداء‭ ‬الصلاة‭ ‬من‭ ‬البيوت،‭ ‬وتحديد‭ ‬مراكز‭ ‬البيع‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البيوت،‭ ‬فطوبى‭ ‬وألف‭ ‬طوبى‭ ‬لابن‭ ‬سينا‭ ‬وكوكبة‭ ‬العلماء‭ ‬الكبار‭ ‬من‭ ‬نظرائه‭ ‬الأسبقين‭.‬