الملكية والأحزاب

| فرات البسام

لست‭ ‬حزبيا‭ ‬ولا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬كذلك،‭ ‬لأنني‭ ‬منذ‭ ‬نشأتي‭ ‬غير‭ ‬مؤمن‭ ‬بأدلجة‭ ‬فكر‭ ‬الإنسان،‭ ‬فأرواحنا‭ ‬تسير‭ ‬نحو‭ ‬هجرتها‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬لها‭ ‬حماس‭ ‬الجدال‭ ‬والأفكار‭ ‬الناضجة‭ ‬بدأت‭ ‬ترى‭ ‬وتفهم‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والوطن‭ ‬العربي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬الحلم‭ ‬دموعا‭ ‬تبلل‭ ‬وسادة‭ ‬الأمل‭ ‬وأنهت‭ ‬كل‭ ‬أمنية‭ ‬تسكننا‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬لأجلنا‭ ‬أو‭ ‬لغيرنا‭.‬

ومنذ‭ ‬نشأة‭ ‬الكون،‭ ‬كانت‭ ‬للأنبياء‭ ‬رسالة‭ ‬إنسانية‭ ‬فبدأوا‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬يبنون‭ ‬جسد‭ ‬العالم‭ ‬برسالاتهم‭ ‬الإيمانية‭ ‬لتثبيت‭ ‬العدل‭ ‬وشرع‭ ‬الله‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ ‬حمورابي‭ ‬منذ‭ ‬آلاف‭ ‬السنين‭ ‬هناك‭ ‬تشريع‭ ‬يجرم‭ ‬كل‭ ‬قاتل‭ ‬أو‭ ‬لص،‭ ‬فهو‭ ‬اتخذ‭ ‬ذات‭ ‬المنحى‭ ‬منذ‭ ‬قرون،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬أبقينا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المبادئ‭ ‬والمثل؟

ففي‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬وتاريخنا‭ ‬غير‭ ‬البعيد،‭ ‬وتحديدا‭ ‬خمسينيات‭ ‬وستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أسقطت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النظم‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحكم‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ودول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬يعيش‭ ‬ذات‭ ‬التراث‭ ‬والتاريخ‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬دخلت‭ ‬بعض‭ ‬الأحزاب‭ ‬وتعاملت‭ ‬كالشواذ،‭ ‬وذهبت‭ ‬الأحزاب‭ ‬بشعارات‭ ‬ثورية‭ ‬لكنها‭ ‬تتسم‭ ‬بكتابتها‭ ‬الدستور‭ ‬والترويج‭ ‬له،‭ ‬حيث‭ ‬تمس‭ ‬مشاعر‭ ‬المساكين‭ ‬وتصور‭ ‬لهم‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬تذهب‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬الرفاه‭ ‬ونحو‭ ‬العدل‭ ‬والخلاص‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬ثم‭ ‬أسست‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬لنا‭ ‬دساتير‭ ‬تعتبرها‭ ‬حديثة‭ ‬أي‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬الدساتير‭ ‬الأوروبية‭ ‬وما‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬الترويج‭ ‬لها‭ ‬أجمل‭ ‬لأن‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يوفر‭ ‬العدل،‭ ‬ولكن‭ ‬وضعوا‭ ‬فيها‭ ‬جميع‭ ‬الاستثناءات،‭ ‬وبدأت‭ ‬بعض‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬سيطرت‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬تقرر‭ ‬إعادة‭ ‬انتخابها‭.‬

وروج‭ ‬الكثير‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬الاشتراكية‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬أحزابها‭ ‬كما‭ ‬ادعت‭ ‬بأن‭ ‬تعلن‭ ‬مقاومة‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬والدساتير‭ ‬التي‭ ‬أتت‭ ‬بعد‭ ‬إسقاط‭ ‬النظم‭ ‬الملكية،‭ ‬وادعت‭ ‬أن‭ ‬لديها‭ ‬هاجس‭ ‬العدل‭ ‬لتلك‭ ‬الشعوب‭ ‬الثائرة‭ ‬ولكنها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬كرست‭ ‬فكرة‭ ‬السرقة‭ ‬والقتل،‭ ‬وكانت‭ ‬تزينها‭ ‬بثوبها‭ ‬الأرستقراطي‭ ‬الجميل‭. ‬ثم‭ ‬انتقلنا‭ ‬إلى‭ ‬أحزاب‭ ‬تدعي‭ ‬العلمانية‭ ‬والليبرالية‭ ‬والانفتاح‭ ‬والديمقراطية‭ ‬ورفعت‭ ‬شعار‭ ‬أنها‭ ‬أكثر‭ ‬تحررا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ديمقراطيات‭ ‬الخمسينات‭ ‬والستينات‭ ‬التي‭ ‬فشل‭ ‬معظمها‭ ‬بالتقدم،‭ ‬وفككت‭ ‬لنا‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬وحروب‭ ‬الخليج‭ ‬المتتالية‭ ‬وما‭ ‬سمي‭ ‬بالربيع‭ ‬العربي،‭ ‬بتصدر‭ ‬المليشيات‭ ‬واللصوص‭ ‬والكفرة‭ ‬وكانت‭ ‬النتائج‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬الفقر‭ ‬والعوز‭ ‬وانتشار‭ ‬الجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬تحكمها‭ ‬مليشيات‭ ‬سلطتها‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭.‬