سوالف

الإنسان في سبيله إلى تدمير ذاته بيده

| أسامة الماجد

هناك‭ ‬مقولة‭ ‬جميلة‭ ‬للكاتب‭ ‬الإنجليزي‭ ‬“آرنولد‭ ‬توينبي”‭ ‬هي‭ ‬“عمر‭ ‬الإنسان‭ ‬عود‭ ‬كبريت‭ ‬منكسر،‭ ‬وعالمنا‭ ‬موغل‭ ‬في‭ ‬الإبحار‭ ‬إلى‭ ‬المجهول”‭.‬

قضيت‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬وبحكم‭ ‬الالتزام‭ ‬بالجلوس‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان‭ ‬“تجارب”‭ ‬لتوينبي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أصدره‭ ‬بمناسبة‭ ‬الثمانين‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬وشخصيا‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬اطلعت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬“توينبي”‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتاريخ‭ ‬والفلسفة‭ ‬التجريبية‭ ‬وعن‭ ‬الشعوب‭ ‬والحضارات،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يتسم‭ ‬باختلافه‭ ‬عن‭ ‬كتب‭ ‬آرنولد‭ ‬توينبي‭ ‬الأخرى،‭ ‬فكلماته‭ ‬تقدم‭ ‬للقارئ‭ ‬معبرة‭ ‬عن‭ ‬تعاطف‭ ‬توينبي‭ ‬الإنساني‭ ‬الرقيق‭ ‬وإحساسه‭ ‬بالخوف‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬الجنس‭ ‬البشري،‭ ‬ونجد‭ ‬مثالا‭ ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬ترديد‭ ‬توينبي‭ ‬الدائم‭ ‬والمتكرر‭ ‬لما‭ ‬قاله‭ ‬الشاعر‭ ‬الروماني‭ ‬تيرانس‭ ‬“إنني‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬لذا‭ ‬فليس‭ ‬ثمة‭ ‬شيء‭ ‬إنساني‭ ‬لا‭ ‬أشعر‭ ‬نحوه‭ ‬باهتمام‭ ‬بالغ”،‭ ‬والطريف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أيضا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬للموضوعات‭ ‬التي‭ ‬يتحدث‭ ‬عنها‭ ‬الكاتب،‭ ‬لأنه‭ ‬يتناول‭ ‬أمورا‭ ‬مطلقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحديد‭ ‬بدايتها‭ ‬أو‭ ‬نهايتها،‭ ‬وتبدأ‭ ‬هذه‭ ‬الموضوعات‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬وظواهر‭ ‬الوجود‭ ‬من‭ ‬الميلاد‭ ‬حتى‭ ‬الموت،‭ ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬نعرفها،‭ ‬لكننا‭ ‬لا‭ ‬نمارسها‭ ‬أو‭ ‬نتحكم‭ ‬فيها،‭ ‬لكنها‭ ‬تفرض‭ ‬علينا‭.‬

نحن‭ ‬لا‭ ‬نحدد‭ ‬ميلادنا،‭ ‬وبالمثل‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬متى‭ ‬سينتهي‭ ‬وجودنا،‭ ‬ثم‭ ‬يصل‭ ‬توينبي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬عن‭ ‬تجاربه‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬مهمة‭ ‬لا‭ ‬سبيل‭ ‬أمامنا‭ ‬إلى‭ ‬الفرار‭ ‬منها،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬واجبنا‭ ‬مواجهتها‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تغييرها،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬مستقبل‭ ‬البشرية‭ ‬ليس‭ ‬مستقبلا‭ ‬يوحي‭ ‬بالأمل‭ ‬أو‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التفاؤل،‭ ‬وأن‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬سبيله‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬ذاته‭ ‬بيده،‭ ‬وبالوسائل‭ ‬التي‭ ‬يتوهم‭ ‬أنها‭ ‬ستتيح‭ ‬له‭ ‬حياة‭ ‬أفضل،‭ ‬تلك‭ ‬الحقيقة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حققه‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬تساعده‭ ‬على‭ ‬الحياة،‭ ‬قد‭ ‬استحالت‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬تؤدي‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الفناء‭ ‬والهلاك‭.‬

آرنولد‭ ‬توينبي‭ ‬يقول‭... ‬يتعرض‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬لخطر‭ ‬حقيقي،‭ ‬فقد‭ ‬يقضي‭ ‬عليه‭ ‬وحش‭ ‬مخيف‭ ‬–‭ ‬التكنولوجيا‭ - ‬خلقه‭ ‬الإنسان‭ ‬بيده‭.‬