وَخْـزَةُ حُب

الإعلانات الرمضانية... إلى أين!

| د. زهرة حرم

نحن‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الغزو‭ ‬الإعلاني؛‭ ‬حيث‭ ‬الإعلانات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭: ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة،‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬والطرقات،‭ ‬في‭ ‬المحال‭ ‬التجارية،‭ ‬وأينما‭ ‬ولينا،‭ ‬أو‭ ‬اتجهنا‭! ‬وغالبا‭ ‬لا‭ ‬نختارها؛‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬نقصدها‭ ‬قصدًا،‭ ‬أو‭ ‬نجلس‭ ‬ونحدد‭ ‬الوقت‭ ‬لمشاهدتها؛‭ ‬بل‭ ‬تُباغتنا‭ ‬–‭ ‬كالعادة‭ ‬–‭ ‬وسط‭ ‬أي‭ ‬فيديو،‭ ‬أو‭ ‬مقطع‭ ‬يوتيوبيّ،‭ ‬أو‭ ‬حلقة‭ ‬تلفزيونية،‭ ‬أو‭ ‬لوحة‭ ‬عرض‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭.. ‬تتكرر،‭ ‬وتتناسخ،‭ ‬وإنْ‭ ‬اتخذت‭ ‬أشكالا‭ ‬مختلفة،‭ ‬لكنها‭ ‬أمينة‭ ‬للمنتج‭ ‬نفسه،‭ ‬أو‭ ‬الشركة،‭ ‬أو‭ ‬الجهة‭.‬

اللافت‭ ‬أن‭ ‬لهذه‭ ‬الإعلانات‭ ‬لونًا‭ ‬خاصًا‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬ومنذ‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬مضت‭. ‬يرجع‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬منتجي‭ ‬الإعلانات‭ ‬أنفسهم؛‭ ‬فهم‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬التميز،‭ ‬والجودة،‭ ‬والتنافسية؛‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬رمضان‭ ‬موسمًا‭ ‬رائجًا‭ ‬لهم،‭ ‬ولاسيما‭ ‬مع‭ ‬معرفتهم‭ ‬المسبقة‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ينتظر‭ ‬إعلاناتهم‭ ‬من‭ ‬مشاهدين،‭ ‬ومتخصصين،‭ ‬ونقاد،‭ ‬ومنافسين‭ ‬كذلك‭. ‬هناك‭ ‬عقلية‭ ‬جاهزة‭ ‬لاستقبال‭ ‬ما‭ ‬سيخرجون‭ ‬به‭ ‬منها؛‭ ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬عجب‭ ‬أنْ‭ ‬أصبحت‭ ‬الإعلانات‭ ‬الرمضانية‭ ‬ظاهرة،‭ ‬وظاهرة‭ ‬تستحق‭ ‬النظر‭.‬

لاشك‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬الإعلانات‭ ‬الرمضانية‭ ‬القديمة،‭ ‬كان‭ ‬ترويجيًا‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬مباشِرًا،‭ ‬وسطحيًا،‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الصورة‭ ‬أو‭ ‬الكلام‭ ‬الموجهين‭ ‬للجمهور‭. ‬لكن،‭ ‬ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬استطاع‭ ‬سوق‭ ‬الإعلان‭ ‬والدعاية‭ ‬أن‭ ‬يُثبت‭ ‬له‭ ‬قدمًا‭ ‬قوية‭ ‬على‭ ‬المواقع‭ ‬الإعلامية؛‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬نِدًا‭ ‬للمسلسلات‭ ‬الدرامية‭ ‬والبرامج‭ ‬الرمضانية،‭ ‬فكما‭ ‬تحمل‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬فكرة،‭ ‬ومغزى،‭ ‬وهدفًا؛‭ ‬أصبح‭ ‬الإعلان‭ ‬كذلك‭ ‬وأكثر‭. ‬أصبح‭ ‬مدروسًا،‭ ‬وعلى‭ ‬تماس‭ ‬مع‭ ‬نفسية‭ ‬المتلقين،‭ ‬ما‭ ‬يرغبون‭ ‬فيه،‭ ‬أو‭ ‬يميلون،‭ ‬ومؤخرا؛‭ ‬أخذ‭ ‬يُوصل‭ ‬رسائل‭ ‬مجتمعية،‭ ‬تبين‭ ‬موقف‭ ‬الجهة‭ ‬المُعلنة،‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬البلد،‭ ‬أو‭ ‬المنطقة،‭ ‬أو‭ ‬العالم‭. ‬شاهدوا‭ ‬الإعلانات‭ ‬الرمضانية‭ ‬المنتشرة‭ ‬الآن،‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬الكورونا‭ ‬2020؛‭ ‬ستجدون‭ ‬–‭ ‬الجيد‭ ‬منها‭ - ‬يحمل‭ ‬طابع‭ ‬التوجيه،‭ ‬والنصائح‭. ‬كلماتها‭ ‬منتقاة‭ ‬بعناية،‭ ‬ذات‭ ‬حس‭ ‬عاطفي‭ ‬وجداني،‭ ‬وجرس‭ ‬موسيقي،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يُغنها‭ ‬أحد‭ ‬المشاهير،‭ ‬فإن‭ ‬صوتًا‭ ‬جميلًا‭ ‬يترنم‭ ‬بها،‭ ‬حتى‭ ‬تنسى‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬إعلان،‭ ‬لولا‭ ‬أنها‭ - ‬في‭ ‬آخر‭ ‬ثوانيها‭ - ‬تنتهي‭ ‬بشعار‭ ‬الجهة‭ ‬المُعلنة‭! ‬فما‭ ‬الغاية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظركم؟‭! ‬موضوع‭ ‬الربح‭ ‬مؤكد،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أهم‭ ‬الغايات‭. ‬إنه‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬التقرب‭ ‬من‭ ‬عواطف‭ ‬المستهلك،‭ ‬أو‭ ‬الناس،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬بعيد،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬فرصة‭ ‬لهذه‭ ‬الجهة؛‭ ‬لاستيفاء‭ ‬متطلباتها‭ ‬تحت‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬المجتمعية‭ ‬للشركات‭.‬

منذ‭ ‬عام‭ ‬فقط،‭ ‬كانت‭ ‬الإعلانات‭ ‬الرمضانية‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬التقارب‭ ‬والتواصل‭ ‬المجتمعيين،‭ ‬وتحيي‭ ‬روح‭ ‬الأسرة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وصلة‭ ‬الأرحام؛‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬حل‭ ‬عام‭ ‬الكورونا‭ ‬هذا؛‭ ‬حتى‭ (‬انقلبت‭ ‬الموجة‭)‬،‭ ‬واشتدت‭ ‬الدعوات‭ ‬الإعلانية‭ ‬إلى‭ ‬التباعد‭! ‬هذا‭ ‬طبيعي؛‭ ‬فللإعلان‭ ‬سياسة‭ ‬مُسايرة،‭ ‬مُهادنِة،‭ ‬وإلا‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬تثير‭ ‬الجدل،‭ ‬وتحمّي‭ ‬النقاش،‭ ‬ولارتفعت‭ ‬الدعوات‭ ‬إلى‭ ‬حذفه‭. ‬في‭ ‬المحصلة،‭ ‬للإعلانات‭ ‬الرمضانية‭ ‬طابع‭ ‬خاص،‭ ‬وهي‭ ‬كورونية‭ ‬هذه‭ ‬السنة،‭ ‬ولعلها‭ ‬ترجعنا‭ ‬للتواصل‭ ‬السنة‭ ‬القادمة‭. ‬هذا‭ ‬رهن‭ ‬بالقادم،‭ ‬اللهم‭ ‬اجعله‭ ‬خيرا‭.‬