ريشة في الهواء

في وجه قوانين التغيير

| أحمد جمعة

بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬تغيّر‭ ‬العالم‭ ‬وظهرت‭ ‬خريطة‭ ‬جديدة‭ ‬أبرزها‭ ‬انهيار‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬وقيام‭ ‬الجمهورية‭ ‬الكمالية‭ ‬وسقوط‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الروسية‭ ‬وبروز‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬وبالطبع‭ ‬نهوض‭ ‬ألمانيا‭ ‬من‭ ‬هزيمتها‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬نازية‭ ‬غزت‭ ‬العالم‭.‬

بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬شهد‭ ‬العالم‭ ‬خريطة‭ ‬جديدة‭ ‬خرجت‭ ‬من‭ ‬مؤتمر‭ ‬يالطا‭ ‬أبرزها‭ ‬نشوء‭ ‬كتلة‭ ‬اشتراكية‭ ‬تقاسمت‭ ‬العالم‭ ‬مع‭ ‬الكتلة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬وانهيار‭ ‬النظامين‭ ‬النازي‭ ‬ونظام‭ ‬العسكرية‭ ‬اليابانية‭ ‬وتجدد‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬معسكرين‭ ‬حتى‭ ‬انتهى‭ ‬أحدهما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭... ‬خلاصة‭ ‬القول‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬منعطف‭ ‬تاريخي‭ ‬يشهد‭ ‬العالم‭ ‬تحولا‭ ‬دراماتيكياً‭ ‬يؤدي‭ ‬لبروز‭ ‬خرائط‭ ‬جديدة‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬قواعد‭ ‬الصراع‭ ‬وقوانين‭ ‬التطور‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬وجهها‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬يتغير‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬كونية‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬مجريات‭ ‬الأحداث‭.‬

المراقب‭ ‬والمؤرخ‭ ‬المتابع‭ ‬للتطور‭ ‬التاريخي‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الخريطة‭ ‬العربية‭ ‬تغيّرت‭ ‬بشكل‭ ‬عشوائي‭ ‬وقسري‭ ‬ونتيجة‭ ‬ردّة‭ ‬فعل‭ ‬للتغيير‭ ‬الدولي‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬العرب‭ ‬مؤثرين‭ ‬في‭ ‬التحولات‭ ‬بل‭ ‬كانوا‭ ‬خلال‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬مجرد‭ ‬وقود‭ ‬لغيرهم‭... ‬لا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬ولا‭ ‬التقني‭ ‬والثقافي‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬الرياضي،‭ ‬خرجوا‭ ‬دائماً‭ ‬من‭ ‬المولد‭ ‬بلا‭ ‬حمص‭!‬

اليوم‭ ‬تعتبر‭ ‬حالة‭ ‬كورونا‭ ‬الوبائية‭ ‬حربا‭ ‬عالمية‭ ‬وربما‭ ‬أشد‭ ‬لأنها‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬شلّت‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬برمتها‭ ‬وشلت‭ ‬معها‭ ‬كل‭ ‬الخدمات‭ ‬وانهارت‭ ‬الاقتصاديات‭ ‬ومرشح‭ ‬الوضع‭ ‬ليكون‭ ‬أسوأ‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬الزلزال‭ ‬لأن‭ ‬الركود‭ ‬سيستمر‭ ‬وربما‭ ‬نخرج‭ ‬منهُ‭ ‬بقوة‭ ‬إذا‭ ‬تمكن‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬تجاوز‭ ‬الأزمة‭ ‬بسيطرة‭ ‬على‭ ‬أركان‭ ‬النظام‭ ‬الدولي،‭ ‬لكن‭ ‬المؤكد‭ ‬الذي‭ ‬لن‭ ‬يحتاج‭ ‬أي‭ ‬مراقب‭ ‬لجهد‭ ‬كبير‭ ‬لتوقعه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬سيشهد‭ ‬تحولاً‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬التعاملات‭ ‬الدولية‭ ‬وفي‭ ‬السياسات‭ ‬والمصالح‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬وبالتالي‭ ‬ستكون‭ ‬هناك‭ ‬خرائط‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬مرشحة‭ ‬لتكون‭ ‬مفتاح‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭ ‬ينشأ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وإيران‭ ‬والصين‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬سيضربها‭ ‬التغيير‭ ‬والسؤال‭ ‬هل‭ ‬العرب‭ ‬استعدوا‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬وارد‭ ‬التأثر‭ ‬بالتغييرات‭ ‬القادمة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬مؤكدة،‭ ‬ولكن‭ ‬غير‭ ‬المؤكد‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬سنتأثر‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬بالتغيير‭ ‬القادم؟

مشكلتنا‭ ‬الراهنة‭ ‬تكمنُ‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬والمجاملات‭ ‬وعدم‭ ‬الجرأة‭ ‬في‭ ‬طرح‭ ‬الرؤى‭ ‬والأفكار‭ ‬وعدم‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬التصورات‭ ‬وبناء‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬عليها‭ ‬الحضارات،‭ ‬وهذه‭ ‬مشكلة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬سيطرة‭ ‬التطرف‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه‭ ‬الديني‭ ‬والسياسي‭ ‬وهيمنة‭ ‬الآيديولوجيا‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬بدل‭ ‬المعرفة‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬مصيبة‭ ‬التفكير‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬تابو‭ ‬الآيديولوجيا‭ ‬التي‭ ‬أكلت‭ ‬العقول‭ ‬وفي‭ ‬طبيعة‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬السائدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬رؤية‭ ‬المستقبل‭ ‬مقابل‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬التقليدية‭ ‬وفرض‭ ‬الأساطير‭ ‬والخرافات،‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نواجه‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬العلوم‭ ‬والمعارف‭ ‬والثقافات‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬لمناخات‭ ‬حرة‭ ‬تعارضها‭ ‬الخرافات‭ ‬والأساطير،‭ ‬لذلك‭ ‬أشك‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬القادم‭ ‬سيكون‭ ‬نابعا‭ ‬من‭ ‬داخلنا،‭ ‬بل‭ ‬سيُفرض‭ ‬علينا‭ ‬مثل‭ ‬كلّ‭ ‬دورة‭ ‬تاريخية‭.‬

 

تنويرة‭:

‬دع‭ ‬الرياح‭ ‬تسير‭ ‬مركبك،‭ ‬لكن‭ ‬اعرف‭ ‬قبلها‭ ‬اتجاهك‭.‬