“بيننا مستهتر”!

| هدى حرم

عنوانٌ‭ ‬قد‭ ‬يزعجُ‭ ‬البعض،‭ ‬لكنَّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬البعض‭ ‬يزعجونَ‭ ‬الجميع،‭ ‬فليقرّوا‭ ‬في‭ ‬بيوتهم؛‭ ‬ليسْلمَ‭ ‬الناسُ‭ ‬من‭ ‬بلائهم،‭ ‬كلُنا‭ ‬ملَّ‭ ‬من‭ ‬البقاء‭ ‬بين‭ ‬الجدران‭ ‬الأربعة،‭ ‬كلنا‭ ‬نشعرُ‭ ‬بالضيق‭ ‬ونشتاقُ‭ ‬للخروج‭ ‬والعودةِ‭ ‬للحياة‭ ‬الطبيعية‭ ‬كالسابق،‭ ‬للصلاة‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬الله‭ ‬والعملِ‭ ‬والنزهةِ‭ ‬والتسوقِ‭ ‬وحضورِ‭ ‬حفلاتِ‭ ‬الزفاف‭ ‬وإقامةِ‭ ‬المناسباتِ‭ ‬الدينيةِ‭ ‬والاجتماعية‭. ‬كلُنا‭ ‬نعيشُ‭ ‬الوضعَ‭ ‬ذاته‭ ‬والأزمةَ‭ ‬عينها،‭ ‬لكننا‭ ‬اتفقنا‭ ‬منذ‭ ‬البدء‭ ‬على‭ ‬تحملِ‭ ‬المسؤولية،‭ ‬وتقيّدنا‭ ‬بهذا‭ ‬الشرط‭ ‬لصيانةِ‭ ‬الأرواحِ‭ ‬وحفظِ‭ ‬الوطنِ‭ ‬والأمة،‭ ‬وتعاهدنا‭ ‬بأنْ‭ ‬ننتصرَ‭ ‬معاً‭ ‬على‭ ‬الوباء‭ ‬ونحتفلَ‭ ‬جميعاً‭ ‬بهذا‭ ‬النصر‭ ‬عما‭ ‬قريب،‭ ‬فهل‭ ‬بيننا‭ ‬مستهتر؟

حسبَ‭ ‬المعطياتِ‭ ‬واستناداً‭ ‬للجهودِ‭ ‬العظيمةِ‭ ‬التي‭ ‬تبذلُها‭ ‬الدولةُ‭ ‬متمثلةً‭ ‬بوزارةِ‭ ‬الصحةِ‭ ‬فإنَّ‭ ‬الأعدادَ‭ ‬يُفترضُ‭ ‬بها‭ ‬أنْ‭ ‬تتراجعَ‭ ‬والإصابات‭ ‬يجدر‭ ‬بها‭ ‬أنْ‭ ‬تنحسرَ‭ ‬أعدادُها،‭ ‬لكننا‭ ‬نعاينُ‭ ‬العكسَ‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬ولستُ‭ ‬أتحدثُ‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬الإصاباتِ‭ ‬في‭ ‬صفوفِ‭ ‬العمالةِ‭ ‬الوافدة،‭ ‬فلنتركها‭ ‬جانباً‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ضخامةِ‭ ‬الأعداد،‭ ‬بل‭ ‬أتحدثُ‭ ‬عن‭ ‬الإصاباتِ‭ ‬في‭ ‬صفوفِ‭ ‬المواطنينَ‭ ‬الأعزاء‭ ‬والتي‭ ‬باتتْ‭ ‬تزدادُ‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭.‬

هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يُلقونَ‭ ‬بأيديهم‭ ‬وأيدي‭ ‬أحبتهم‭ ‬للتهلكة،‭ ‬لمْ‭ ‬يعودوا‭ ‬للتو‭ ‬من‭ ‬سفر‭ ‬ولمْ‭ ‬يصابوا‭ ‬بالعدوى‭ ‬مجبرينَ‭ ‬نتيجةَ‭ ‬الاختلاط‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬هم‭ ‬فقط‭ ‬لا‭ ‬يحتملونَ‭ ‬المكوثَ‭ ‬بالمنزل‭ ‬ويُؤثِرونَ‭ ‬ترفيهَ‭ ‬أنفسِهم‭ ‬على‭ ‬صحةِ‭ ‬الناس؛‭ ‬فيتسببونَ‭ ‬بالضررِ‭ ‬لأنفسِهم‭ ‬ولذويهم‭ ‬والآخرين،‭ ‬يدّعونَ‭ ‬أنهم‭ ‬يصلونَ‭ ‬الأرحامَ‭ ‬ويزورونَ‭ ‬الأهل،‭ ‬على‭ ‬اعتبارِ‭ ‬أنَّ‭ ‬الأهلَ‭ ‬أصحّاء،‭ ‬وعلى‭ ‬افتراضِ‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يشكونَ‭ ‬من‭ ‬شيء،‭ ‬وأنهم‭ ‬لا‭ ‬يخالطونَ‭ ‬أحداً،‭ ‬بل‭ ‬يقضونَ‭ ‬وقتاً‭ ‬قصيراً‭ ‬مع‭ ‬الأصدقاء،‭ ‬وكأنَّ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأصدقاء‭ ‬منزَّهونَ‭ ‬عن‭ ‬الإصابة،‭ ‬وكأن‭ ‬أوقاتَ‭ ‬اللقاءِ‭ ‬القصيرةِ‭ ‬لا‭ ‬تنقلُ‭ ‬العدوى،‭ ‬غيرَ‭ ‬متقيدين‭ ‬بوسائلِ‭ ‬الحمايةِ‭ ‬والوقايةِ‭ ‬من‭ ‬الوباء،‭ ‬خصوصا‭ ‬إنْ‭ ‬أمِنوا‭ ‬العقابَ‭ ‬لكسرِهم‭ ‬قوانينَ‭ ‬الوقايةِ‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬حالِ‭ ‬اجتماعهم‭ ‬في‭ ‬المجالسِ‭ ‬وبيوتِ‭ ‬الأهلِ‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬حيثُ‭ ‬لا‭ ‬حسيبَ‭ ‬ولا‭ ‬رقيب‭. ‬

هؤلاء‭ ‬المستهترون‭ ‬ضربوا‭ ‬العهدَ‭ ‬والوعدَ‭ ‬بأنفاسِهم‭ ‬القصيرة‭ ‬عرض‭ ‬الحائط؛‭ ‬فعادوا‭ ‬سريعاً‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬ملّوا‭ ‬البقاءِ‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬للاختلاط،‭ ‬والتقطوا‭ ‬الفيروس‭ ‬ونقلوا‭ ‬الوباء،‭ ‬ولا‭ ‬أدلَّ‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ازديادِ‭ ‬أعدادِ‭ ‬المصابينَ‭ ‬مؤخراً‭ ‬على‭ ‬خلافِ‭ ‬التوقعات‭ ‬بانتهاءِ‭ ‬الجائحة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغمِ‭ ‬من‭ ‬الجهودِ‭ ‬الجبارةِ‭ ‬للحدِ‭ ‬من‭ ‬تفشي‭ ‬المرض‭.‬