ما هي مهمة الكاتب؟

| فرات البسام

عندما‭ ‬نرى‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والكتب‭ ‬في‭ ‬محيطنا‭ ‬علينا‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬مفهوم‭ ‬الكتابة‭ ‬والكاتب،‭ ‬ورغم‭ ‬فارق‭ ‬العصور‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬الكتابة‭ ‬قديما‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬اليوم،‭ ‬بقيت‭ ‬الكتابة‭ ‬مستودع‭ ‬الحضارة‭ ‬والتاريخ‭ ‬وتراكمها‭ ‬عبر‭ ‬الأجيال،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الكتابة‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬بدأت‭ ‬بحفر‭ ‬الرسوم‭ ‬ابتداء،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬حفرت‭ ‬رموز‭ ‬الرسوم‭. ‬ثم‭ ‬ابتكرت‭ ‬الكتابة‭ ‬منذ‭ ‬3900‭ ‬عام‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد‭ ‬وهي‭ ‬الكتابة‭ ‬السومرية‭ ‬ثم‭ ‬بعدها‭ ‬بألف‭ ‬ومئتي‭ ‬عام‭ ‬اعتمدت‭ ‬الخط‭ ‬المسماري‭ ‬لكتابة‭ ‬اللغة‭ ‬الآكدية‭ ‬ثم‭ ‬الآشورية‭ ‬والبابلية‭ ‬وجميعها‭ ‬أتت‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين،‭ ‬ثم‭ ‬تحولنا‭ ‬إلى‭ ‬الخط‭ ‬الأبجدي‭ ‬والنحو‭ ‬ولكن‭ ‬أتى‭ ‬بكثافة‭ ‬بعد‭ ‬صناعة‭ ‬الورق‭ ‬في‭ ‬حضارة‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬الميلادي‭ ‬ثم‭ ‬اقتبس‭ ‬المسلمون‭ ‬صناعة‭ ‬الورق‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬وفي‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬تغيرت‭ ‬مسيرة‭ ‬الكتابة‭ ‬حيث‭ ‬اقتبست‭ ‬أوروبا‭ ‬صناعة‭ ‬الورق‭ ‬من‭ ‬بغداد‭ ‬وسمرقند،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬قرنين‭ ‬اخترعت‭ ‬ألمانيا‭ ‬أول‭ ‬آلة‭ ‬طباعة‭ ‬وبعدها‭ ‬نهض‭ ‬علم‭ ‬الطباعة‭ ‬والكتب‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬عشر،‭ ‬لكن‭ ‬ماذا‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬الكاتب‭ ‬وما‭ ‬دوره؟‭ ‬مرت‭ ‬قرون‭ ‬حتى‭ ‬نصنع‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬يزين‭ ‬ويسهل‭ ‬كتاباته‭ ‬ليخرجها‭ ‬نورسا‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬الشواطئ،‭ ‬الكاتب‭ ‬دائما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بالريادة‭ ‬ويكون‭ ‬محللا‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مفيد‭ ‬وناجع،‭ ‬وليس‭ ‬ناقلا‭ ‬لحدث‭ ‬أو‭ ‬خبر،‭ ‬ومن‭ ‬واجبه‭ ‬تناول‭ ‬الحدث‭ ‬وله‭ ‬الدور‭ ‬الفاعل‭ ‬في‭ ‬تبصير‭ ‬المجتمع‭ ‬بخطاب‭ ‬وطني‭ ‬وإنساني،‭ ‬لذلك‭ ‬سلم‭ ‬له‭ ‬الحبر‭ ‬والورقة‭ ‬لتصبح‭ ‬أسيرة‭ ‬بين‭ ‬أصابعه‭.‬

والورقة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬وطن،‭ ‬مثلما‭ ‬ليس‭ ‬للحبر‭ ‬وطن،‭ ‬والمقال‭ ‬يولد‭ ‬من‭ ‬فكر‭ ‬الكاتب‭ ‬منذ‭ ‬خطه‭ ‬على‭ ‬لوحات‭ ‬الطين‭ ‬ودكات‭ ‬المعابد‭ ‬وجدران‭ ‬الكهوف،‭ ‬وهناك‭ ‬مقالات‭ ‬تظل‭ ‬شاخصة‭ ‬لا‭ ‬تموت،‭ ‬بعكس‭ ‬الكينونة‭ ‬الحيّة‭ ‬التي‭ ‬ولدت‭ ‬كي‭ ‬تموت،‭ ‬ويكون‭ ‬الكاتب‭ ‬فيها‭ ‬كالسديم‭ ‬عالق‭ ‬بين‭ ‬الممكن‭ ‬والمستحيل،‭ ‬ولا‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬سر‭ ‬يمنحه‭ ‬فقط‭ ‬لمن‭ ‬يريد‭.‬

فنحن‭ ‬مازلنا‭ ‬نهجوا‭ ‬الزمن‭ ‬ولا‭ ‬نهجوا‭ ‬الجهل‭ ‬المتفشي‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬شغلتهم‭ ‬السياسة‭ ‬والعنصرية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الفوضى‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحوال‭ ‬يجتاحنا‭ ‬وباء‭ ‬قاتل‭ ‬والكثير‭ ‬مازال‭ ‬يظهر‭ ‬لنا‭ ‬دون‭ ‬كمام‭ ‬أو‭ ‬قفاز‭. ‬متبجحا‭ ‬بأنه‭ ‬سينقل‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬للجميع‭ ‬وعليكم‭ ‬الاستسلام،‭ ‬اللعنة‭ ‬ُ‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬شيعا‭ ‬وكتلا‭ ‬وطوائف‭ ‬فرقتهم‭ ‬وقصمت‭ ‬ظهورهم‭! ‬قد‭ ‬يكونُ‭ ‬ثمة‭ ‬ضباب‭ ‬في‭ ‬رؤيتي‭ ‬لهؤلاء،‭ ‬فإن‭ ‬وجودهم‭ ‬خيال‭.. ‬أليس‭ ‬هذا‭ ‬واجب‭ ‬الكاتب؟‭ ‬أن‭ ‬يشن‭ ‬هجمة‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬قتل‭ ‬البشر‭ ‬أو‭ ‬يتقصد‭ ‬إيذائهم‭ ‬متعمدا‭ ‬ويجهض‭ ‬جهود‭ ‬دولة‭ ‬سخرت‭ ‬أموالا‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬الطارئ‭. ‬هل‭ ‬سيبقى‭ ‬هؤلاء‭ ‬كالعقارب‭ ‬يقرعون‭ ‬كؤوس‭ ‬التناحر؟‭ ‬وهل‭ ‬نحن‭ ‬الكتاب‭ ‬نبقى‭ ‬نقرعُ‭ ‬أقداح‭ ‬الخلاف؟‭ ‬أريد‭ ‬جوابا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يهرب‭ ‬حلمي‭ ‬إلى‭ ‬أحضان‭ ‬الحقيقة‭.‬