“حتى لا ينقطع عنا الوحي”!

| هدى حرم

عندما‭ ‬كان‭ ‬الطلابُ‭ ‬يقومون‭ ‬للمعلمِ‭ ‬حالَ‭ ‬دخوله‭ ‬لأداء‭ ‬التحية،‭ ‬كانوا‭ ‬يقومون‭ ‬كُسالى‭ ‬يُراؤونَ‭ ‬المعلم،‭ ‬لكنهم‭ ‬ممتعضون،‭ ‬وما‭ ‬دارَ‭ ‬بخلدهم‭ ‬يوماً‭ ‬بأنهم‭ ‬سيتمنون‭ ‬لو‭ ‬تعودُ‭ ‬الحياةُ‭ ‬كما‭ ‬كانت؛‭ ‬فيقومون‭ ‬للمعلم‭ ‬تبجيلاً‭ ‬واحتراماً‭ ‬وتقديراً‭ ‬لدوره‭ ‬الجليل‭ ‬الذي‭ ‬أدركوه‭ ‬للتو‭ ‬بعد‭ ‬إغلاقِ‭ ‬المدارس‭ ‬وإلزامِ‭ ‬الطلاب‭ ‬بالبقاء‭ ‬في‭ ‬منازلهم،‭ ‬حمايةً‭ ‬لهم‭ ‬وخوفاً‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬العدوى‭. ‬أدرك‭ ‬الطلابُ‭ ‬وأولياءُ‭ ‬الأمور‭ ‬أنْ‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬لهم‭ ‬عن‭ ‬المعلم،‭ ‬وأنه‭ ‬كاد‭ ‬حقاً‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رسولا،‭ ‬وخجل‭ ‬المجتمعُ‭ ‬الذي‭ ‬ينتقصُ‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬المعلمين‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬سوءِ‭ ‬تقديرهم‭ ‬لعظمِ‭ ‬خطرِ‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬في‭ ‬المجتمعاتِ‭ ‬والأمم،‭ ‬فمن‭ ‬مجتمعٍ‭ ‬يُقزّمُ‭ ‬دورَ‭ ‬المعلمين‭ ‬ويظنُ‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يقومون‭ ‬بدورهم‭ ‬كما‭ ‬يجب،‭ ‬ظناً‭ ‬منهم‭ ‬بأنهم‭ ‬مسؤولون‭ ‬عن‭ ‬نجاحِ‭ ‬أو‭ ‬فشلِ‭ ‬أبنائهم‭ ‬أكاديمياً‭ ‬وأخلاقياً،‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬يرفعُ‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬المعلم‭ ‬ويبالغُ‭ ‬في‭ ‬شكرهِ‭ ‬وعرفانه‭ ‬له‭ ‬عبر‭ ‬الرسائلِ‭ ‬النصيةِ‭ ‬والشفهية‭.‬

لطالما‭ ‬كانت‭ ‬الشكاوى‭ ‬تنهال‭ ‬سابقاً‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬المعلمين‭ ‬كرشاتِ‭ ‬المدافع،‭ ‬تُقوّضُ‭ ‬كلَ‭ ‬جهودهم‭ ‬وسهرهم‭ ‬ومعاناتهم،‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭ ‬كم‭ ‬نالهم‭ ‬من‭ ‬عناءِ‭ ‬السهرِ‭ ‬حتى‭ ‬اتصلَ‭ ‬عندهم‭ ‬الليلُ‭ ‬بالنهار،‭ ‬بلا‭ ‬نومٍ‭ ‬ولا‭ ‬راحةٍ؛‭ ‬ليقدموا‭ ‬مادةً‭ ‬ثريةِ‭ ‬حسبَ‭ ‬معاييرِ‭ ‬الجودةِ‭ ‬لأبنائهم‭ ‬الطلبة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬فيُجازون‭ ‬بالنكران‭ ‬وعدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬من‭ ‬الطلابِ‭ ‬الذين‭ ‬اتخذوا‭ ‬من‭ ‬المعلمِ‭ ‬عدواً‭ ‬لهم‭ ‬لا‭ ‬والدا‭.‬

بالشكر‭ ‬تدومُ‭ ‬النعم،‭ ‬فها‭ ‬هي‭ ‬نعمةُ‭ ‬التعليم‭ ‬والمعلم‭ ‬تزول،‭ ‬وهاهم‭ ‬الطلابُ‭ ‬والطالباتُ‭ ‬مُجبرون‭ ‬على‭ ‬التعلمِ‭ ‬والفهمِ‭ ‬والتحليلِ‭ ‬وكتابةِ‭ ‬الواجباتِ‭ ‬وتقديمِ‭ ‬الامتحانات‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬كلِ‭ ‬الصعوباتِ‭ ‬والتحديات،‭ ‬يواصلُ‭ ‬المعلمُ،‭ ‬هذا‭ ‬الجنديُ‭ ‬المجهول‭ ‬رسالته‭ ‬بإخلاصٍ‭ ‬وحب‭ ‬في‭ ‬تعليم‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬وتربيته‭ ‬عبرَ‭ ‬الفضاءِ‭ ‬الإلكتروني‭ ‬دونَ‭ ‬كللٍ‭ ‬أو‭ ‬ملل‭ ‬وبواقعِ‭ ‬ساعاتٍ‭ ‬أطولَ‭ ‬وجهدٍ‭ ‬أكبر‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬داخلَ‭ ‬الحرمِ‭ ‬المدرسي؛‭ ‬كي‭ ‬ينتج‭ ‬دروساً‭ ‬إلكترونيةً‭ ‬معقدةً‭ ‬لم‭ ‬يعتد‭ ‬على‭ ‬إعدادها،‭ ‬ويجيب‭ ‬على‭ ‬تساؤلاتِ‭ ‬الطلابِ‭ ‬عبر‭ ‬الهاتف،‭ ‬ويعد‭ ‬الأنشطة‭ ‬من‭ ‬إنتاجه‭ ‬الخاص،‭ ‬غير‭ ‬معتمدٍ‭ ‬على‭ ‬أنشطةِ‭ ‬المنهج،‭ ‬ويقدمَ‭ ‬الامتحانات‭ ‬للطلبة،‭ ‬ويقوم‭ ‬بالتصحيحِ‭ ‬والتدقيقِ‭ ‬والرصدِ‭ ‬وشرحِ‭ ‬الدروس‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬وتسجيلِ‭ ‬الحضورِ‭ ‬للدروس‭ ‬في‭ ‬العالمِ‭ ‬الافتراضي‭.‬

اليوم‭ ‬تجلى‭ ‬لنا‭ ‬بالوباء‭ ‬أن‭ ‬المعلمينَ‭ ‬الركائز‭ ‬التي‭ ‬تقومُ‭ ‬عليها‭ ‬المجتمعاتُ‭ ‬المتحضرة،‭ ‬وأنَّ‭ ‬غيابَهم‭ ‬يهدمُ‭ ‬الحضارات‭ ‬ويقوّضُ‭ ‬القيم‭ ‬ويقتلُ‭ ‬الإبداع‭ ‬ويقطعُ‭ ‬الوحي‭. ‬اليوم‭ ‬أدركَ‭ ‬الجميعُ،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬رد‭ ‬الحق‭ ‬لأصحابه،‭ ‬أنَّ‭ ‬المعلمينَ‭ ‬والمعلمات‭ ‬فرسانُ‭ ‬العلمِ‭ ‬وجنوده‭ ‬المجهولون‭.‬