لمحات

الإنجاز عن بعد

| د.علي الصايغ

شكل‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ (‬كوفيد‭ ‬19‭) ‬تحديات‭ ‬عارمة‭ ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يستثن‭ ‬أياً‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬الحياة،‭ ‬فقد‭ ‬أصاب‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بأسرها؛‭ ‬فمن‭ ‬الدعوات‭ ‬المألوفة‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الترابط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تبادل‭ ‬الزيارات،‭ ‬وما‭ ‬تخلقه‭ ‬من‭ ‬تقارب‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع،‭ ‬إلى‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي‭! ‬كما‭ ‬تحدى‭ ‬الفيروس‭ ‬التعليم‭ ‬بمحاولة‭ ‬إيقاف‭ ‬عجلته،‭ ‬واستهدف‭ ‬دور‭ ‬العبادة‭ ‬على‭ ‬اختلافها،‭ ‬ما‭ ‬أفرز‭ ‬بعض‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭ ‬والحكمة‭ ‬بصلة،‭ ‬وتستهين‭ ‬بحياة‭ ‬الإنسان‭ ‬وسلامته‭.‬

ونال‭ (‬كوفيد‭ ‬19‭) ‬من‭ ‬أرباح‭ ‬التجارات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فضرب‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬وشل‭ ‬حركة‭ ‬الطيران‭ ‬العالمية،‭ ‬وصفر‭ ‬مقاعد‭ ‬المطاعم‭ ‬بشتى‭ ‬أنواعها،‭ ‬فحول‭ ‬الكثيرين‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها‭ ‬إلى‭ ‬طهاة‭ ‬يجرون‭ ‬تجاربهم‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬مع‭ ‬أفراد‭ ‬أسرهم،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الضرر‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬أيضاً‭ ‬بمراكز‭ ‬التجميل‭ ‬وصالونات‭ ‬الحلاقة،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬المبادرات‭ ‬التعويضية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تتكفل‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬دون‭ ‬غيرها،‭ ‬فقد‭ ‬أعاد‭ ‬الفيروس‭ ‬بلورة‭ ‬العالم‭ ‬بطريقة‭ ‬فاقت‭ ‬كل‭ ‬التكهنات،‭ ‬ودفعت‭ - ‬بسبب‭ ‬الحاجة‭ - ‬باتجاه‭ ‬الإنجاز‭ ‬عن‭ ‬بعد،‭ ‬وتنشيط‭ ‬الصناعة،‭ ‬والحلول‭ ‬البديلة،‭ ‬والابتكار‭.‬

إنَّ‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬العصيبة‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬الزمن،‭ ‬لها‭ ‬رسالات‭ ‬واضحة‭ ‬وفارقة‭ ‬إلى‭ ‬البشرية،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬حقيقة‭ ‬علاقة‭ ‬الإنسان‭ ‬بربه،‭ ‬ومجتمعه،‭ ‬ووطنه،‭ ‬وعمله،‭ ‬وسعيه‭ ‬إلى‭ ‬العلم،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬البركان‭ ‬الثائر‭ ‬الذي‭ ‬غير‭ ‬ملامح‭ ‬الكون‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيله،‭ ‬سيستعيد‭ ‬هدوءه‭ ‬يوماً‭ ‬ما،‭ ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬سيبقى‭ ‬البشر‭ ‬حينها‭ ‬على‭ ‬العهد‭ ‬مما‭ ‬تعلموه‭ ‬من‭ ‬دروس؟‭ ‬هل‭ ‬سيستمرون‭ ‬في‭ ‬اعتناق‭ ‬جدوى‭ ‬التعليم‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬مثلاً؟‭ ‬هل‭ ‬سيبقون‭ ‬مؤمنين‭ ‬بأهمية‭ ‬الإنجاز،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الإنجاز،‭ ‬فالإنجاز،‭ ‬لا‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭ ‬بلا‭ ‬عمل‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعات‭ ‬بلا‭ ‬جدوى‭ ‬أو‭ ‬السفرات‭ ‬الرسمية‭ ‬المكلفة‭ ‬بلا‭ ‬فائدة؟‭! ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬سطرها‭ ‬الفيروس‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬الشهور،‭ ‬لكن‭ ‬الأمل‭ ‬كل‭ ‬الأمل‭ ‬ألا‭ ‬يُنسى‭ ‬بعد‭ (‬كوفيد‭ ‬19‭) ‬الاهتمام‭ ‬بالإنجاز‭ ‬أولاً،‭ ‬والتشجيع‭ ‬على‭ ‬الابتكار،‭ ‬وصناعة‭ ‬ما‭ ‬بالوسع‭ ‬لمستقبل‭ ‬محفوف‭ ‬بالمفاجآت‭.‬