سوالف

غير جديرين بالنجاح أمام امتحان الحياة

| أسامة الماجد

تابعت‭ ‬برنامجا‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬القنوات‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬نفسية‭ ‬الفرد‭ ‬الأوروبي‭ ‬إزاء‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا،‭ ‬وأكثر‭ ‬الضيوف‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والمثقفين،‭ ‬جميعهم‭ ‬كانوا‭ ‬يبعثرون‭ ‬الكلمات‭ ‬وألسنتهم‭ ‬مصلبة‭ ‬في‭ ‬أفواههم،‭ ‬والخوف‭ ‬والقلق‭ ‬يلف‭ ‬أجسادهم‭ ‬وكأنهم‭ ‬جثث‭ ‬صفراء‭ ‬تطفوا‭ ‬على‭ ‬البحر‭. ‬كان‭ ‬التحلل‭ ‬والتشاؤم‭ ‬هو‭ ‬المسيطر،‭ ‬حيث‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬المستقبل‭ ‬مريض‭ ‬ولن‭ ‬تعود‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬كما‭ ‬كانت،‭ ‬وهذا‭ ‬الخوف‭ ‬والقلق‭ ‬الغربي‭ ‬نعرفه‭ ‬جيدا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قراءتنا‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬فالفكر‭ ‬الأوروبي‭ ‬يبين‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬وحيد‭ ‬في‭ ‬الوجود،‭ ‬وأن‭ ‬حياته‭ ‬عبث‭ ‬لا‭ ‬طائل‭ ‬من‭ ‬ورائها،‭ ‬فخير‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصنعه‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يموت،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬الكاتب‭ ‬الفرنسي‭ ‬“أندريه‭ ‬مالرو”‭ ‬كتب‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬رواياته‭ ‬“يستطيع‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬نفسه‭ ‬دائما،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬عميقا”‭.‬

نفسية‭ ‬الإنسان‭ ‬الغربي‭ ‬مكشوفة،‭ ‬خصوصا‭ ‬وقت‭ ‬المحن،‭ ‬الرعب‭ ‬صفته‭ ‬الأولى‭ ‬ومنها‭ ‬يتفرع‭ ‬القلق‭ ‬والتشاؤم،‭ ‬وحتى‭ ‬الجريمة،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الصفة‭ ‬أيضا‭ ‬تنبع‭ ‬معاداة‭ ‬المجتمع‭ ‬واحتقار‭ ‬نظمه،‭ ‬الفرد‭ ‬الغربي‭ ‬يحتقر‭ ‬الأخلاق‭ ‬فيسخر‭ ‬في‭ ‬كتبه‭ ‬من‭ ‬الرحمة‭ ‬والصدق‭ ‬والعفة‭ ‬والشرف‭ ‬سخرية‭ ‬وقحة‭ ‬نستنكرها‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬كل‭ ‬استنكار،‭ ‬ويزيد‭ ‬الغربي‭ ‬فيزدري‭ ‬الوطنية‭ ‬ويضحك‭ ‬من‭ ‬الإخلاص‭ ‬للمجتمع‭ ‬ويستخف‭ ‬بفكرة‭ ‬الأسرة‭ ‬والعائلة‭.‬

نعم،‭ ‬اطلعنا‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي‭ ‬وأعجبنا‭ ‬ببعض‭ ‬كتابهم‭ ‬والتهمنا‭ ‬قصصهم‭ ‬ورواياتهم،‭ ‬لكننا‭ ‬نختلف‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬نظرتنا‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬وتحليلنا‭ ‬الأمور‭ ‬والوقائع‭ ‬والأحداث،‭ ‬نختلف‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬الأخلاق‭ ‬والمثل‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬مبادئنا‭ ‬وتقاليدنا‭ ‬وتربيتنا‭ ‬ونتفق‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬المقدرة‭ ‬الذهنية‭ ‬والأساليب‭ ‬الأدبية‭ ‬والبلاغة‭ ‬والصور‭ ‬الجمالية‭. ‬أحد‭ ‬ضيوف‭ ‬البرنامج‭ ‬كان‭ ‬طبيبا‭ ‬نفسيا‭ ‬وله‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬كما‭ ‬فهمنا،‭ ‬كان‭ ‬يسخر‭ ‬من‭ ‬“تعاون‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كورونا”،‭ ‬وعلل‭ ‬فكرته‭ ‬السوداء‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬أصبح‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬يضره‭ ‬وينفعه،‭ ‬لهذا‭ ‬فهو‭ ‬الآن‭ ‬يعيش‭ ‬الظلام‭ ‬والتخبط،‭ ‬وصحافي‭ ‬عجوز‭ ‬قالها‭ ‬دون‭ ‬تردد‭ ‬“إنها‭ ‬نهاية‭ ‬العالم”‭ ‬وهلاك‭ ‬الإنسانية‭ ‬وشيك‭.‬

هكذا‭ ‬هو‭ ‬الفرد‭ ‬الأوروبي‭... ‬جعل‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬فريسة‭ ‬سهلة‭ ‬لمخالب‭ ‬القلق‭ ‬والتشاؤم،‭ ‬وإنه‭ ‬غير‭ ‬جدير‭ ‬بالنجاح‭ ‬أمام‭ ‬امتحان‭ ‬الحياة‭.‬