ريشة في الهواء

الحجاب في يوم القراءة العالمي!

| أحمد جمعة

صباح‭ ‬يوم‭ ‬الثالث‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬فاجأني‭ ‬أحد‭ ‬الأصدقاء‭ ‬بتحية‭ ‬صباحية‭ ‬غير‭ ‬معتادة‭ ‬عنوانها‭ ‬صباح‭ ‬القراءة‭... ‬تذكرتُ‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬وتساءلتُ‭ ‬في‭ ‬داخلي‭ ‬لماذا‭ ‬نسيت‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬هذه‭ ‬المرة؟‭ ‬وبالعودة‭ ‬لذاكرتي‭ ‬السنوية،‭ ‬كنت‭ ‬لا‭ ‬أترك‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬دون‭ ‬إشارة‭ ‬إليها‭ ‬بمقالٍ‭ ‬أو‭ ‬تغريدة‭ ‬أو‭ ‬إشارة،‭ ‬وحين‭ ‬عدتُ‭ ‬للوراء‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬النسيان‭ ‬اكتشفت‭ ‬أن‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الهفوة‭ ‬دافعا‭ ‬رئيسيا‭ ‬سببه‭ ‬الكورونا،‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أتوقف‭ ‬ساعة‭ ‬عن‭ ‬القراءة،‭ ‬لكن‭ ‬ضغط‭ ‬الأصوات‭ ‬التي‭ ‬تضج‭ ‬أغلبها‭ ‬بالاختناق‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬والأصوات‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬المنزلي‭ ‬سجنا‭ ‬أعاد‭ ‬للذهن‭ ‬أن‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬والرياضة‭ ‬والتفكير‭ ‬والتأمل‭ ‬جميعها‭ ‬مكونات‭ ‬لا‭ ‬تشكل‭ ‬حيزا‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬اعتاد‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬ضوضاء‭ ‬وصخب‭ ‬وزحمة،‭ ‬فهناك‭ ‬فئة‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬الخريطة‭ ‬الجغرافية‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬تعيش‭ ‬ضمن‭ ‬قيم‭ ‬التفكير‭ ‬والقراءة‭ ‬والتأمل،‭ ‬بل‭ ‬مجمل‭ ‬حياتها‭ ‬الكلام‭ ‬والكلام‭ ‬والنوم‭ ‬والأكل‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬تبرم‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬المنزلي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬يشهد‭ ‬فيه‭ ‬العالم‭ ‬تغييرًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭.‬

واقعنا‭ ‬السياسي‭ ‬والثقافي‭ ‬والإعلامي‭ ‬اليوم‭ ‬أشبه‭ ‬بقارة‭ ‬جغرافية‭ ‬غير‭ ‬مستكشفة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ،‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬تخطى‭ ‬التخوم‭ ‬المعقولة‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بتقبل‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬عليه،‭ ‬حجم‭ ‬التخلف‭ ‬بلغ‭ ‬مداه،‭ ‬الخرافة‭ ‬هي‭ ‬العقيدة‭ ‬السائدة‭. ‬تم‭ ‬الاستغناء‭ ‬عن‭ ‬العقل‭ ‬وحلّ‭ ‬مكانهُ‭ ‬قطيع‭ ‬يتغذى‭ ‬وجبات‭ ‬سياسية‭ ‬وثقافية‭ ‬وإعلامية‭ ‬مسممة‭ ‬ويمضي‭ ‬يلتهمها‭ ‬ثم‭ ‬ينتفخ‭ ‬ويهترئ‭ ‬فيما‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬قطع‭ ‬أشواطاً‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬أساسها‭ ‬العقل‭ ‬والأفكار‭ ‬التي‭ ‬تبني‭ ‬عبر‭ ‬الانشغال‭ ‬بالثقافات‭ ‬والمعارف،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬رأيناه‭ ‬مؤخرًا‭ ‬لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬استغلت‭ ‬المحنة‭ ‬الدولية‭ ‬ووظفت‭ ‬المعرفة‭ ‬والعلوم‭ ‬والكتاب‭ ‬والموسيقى‭ ‬والتأمل‭ ‬والرياضة‭ ‬في‭ ‬تعويض‭ ‬حياة‭ ‬الضوضاء‭ ‬والصخب‭ ‬والزحام‭ ‬التي‭ ‬عشناها‭ ‬عقودا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نلتقط‭ ‬أنفاسنا،‭ ‬فمازلنا‭ ‬نحرق‭ ‬كتب‭ ‬جبران‭ ‬خليل‭ ‬جبران‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬جبران‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬نتشه‭ ‬ولا‭ ‬سارتر‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬أصبح‭ ‬فيه‭ ‬سارتر‭ ‬ونتشه‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬مقرر‭ ‬مدرسي‭ ‬يُدرس‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬ثانوية‭ ‬وحتى‭ ‬إعدادية‭ ‬بالعالم‭ ‬المعاصر،‭ ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬شعر‭ ‬البعض‭ ‬منا‭ ‬والغالبية‭ ‬بالاختناق‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يعتد‭ ‬القراءة‭ ‬والتفكير‭ ‬والتأمل‭ ‬والرياضة‭ ‬وشغل‭ ‬ساعات‭ ‬اليوم‭ ‬بالعمل‭ ‬المنزلي‭ ‬الذي‭ ‬فوجئ‭ ‬العالم‭ ‬بجدواه‭ ‬ومن‭ ‬المحتمل‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬أن‭ ‬تتغير‭ ‬خريطة‭ ‬العالم‭ ‬ثقافيًا‭ ‬ومعرفيًا‭ ‬وبالطبع‭ ‬سياسيًا‭.‬

منذ‭ ‬سنوات‭ ‬كتبت‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬التخلف‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬الجغرافية‭ ‬العربية‭ ‬بلغ‭ ‬مداه،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فقد‭ ‬تعدى‭ ‬مداه‭ ‬ويكاد‭ ‬يبلغ‭ ‬نقطة‭ ‬الانقراض،‭ ‬أرى‭ ‬أمامي‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬العربية‭ ‬لوحات‭ ‬عملاقة‭ ‬على‭ ‬الطرق‭ ‬بصور‭ ‬نساء‭ ‬محجبات‭ ‬وقد‭ ‬كتبت‭ ‬بعبارة‭ ‬مثل‭ ‬حجابكِ‭ ‬تحرركِ‭! ‬يا‭ ‬للهول‭! ‬تحرركِ‭ ‬من‭ ‬ماذا‭ ‬سيدتي‭ ‬المرأة‭ ‬العربية؟‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬المحجبات‭... ‬ألسن‭ ‬متحررات؟‭!‬

تذكرت‭ ‬يوم‭ ‬القراءة‭ ‬العالمي‭ ‬وقلتُ‭ ‬في‭ ‬خلدي‭... ‬على‭ ‬دنيا‭ ‬الثقافة‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭.‬

 

تنويرة‭:

‬المنزل‭ ‬الذي‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬مكتبة‭ ‬غابة‭ ‬بلا‭ ‬أشجار‭.‬