“كورونا” ومأزق العمالة الوافدة

| عبدالنبي الشعلة

أصوات‭ ‬أخذت‭ ‬ترتفع‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أفاقت‭ ‬من‭ ‬غفوتها،‭ ‬وصارت‭ ‬تئن‭ ‬من‭ ‬وطئة‭ ‬وثقل‭ ‬وكُلفة‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات‭ ‬الذي‭ ‬نشهد‭ ‬فيه‭ ‬أزمة‭ ‬مزدوجة‭ ‬الرأس‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬التراجع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المقلق‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬تدني‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬وعن‭ ‬تفشي‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬وانتشارها‭ ‬بشكل‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬توقف‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والخدمية‭ ‬التي‭ ‬يزاولها‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬مما‭ ‬فرض‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬ترهقه‭ ‬وتفيض‭ ‬عن‭ ‬حاجته‭.‬

لقد‭ ‬تنبأ‭ ‬وتوقع‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬والمعنيين‭ ‬والمختصين‭ ‬والخبراء‭ ‬وحذروا‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬ومغبة‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬وبهذا‭ ‬القدر‭ ‬الهائل‭ ‬كمًا‭ ‬ونوعًا،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبحت‭ ‬تشكل‭ ‬حوالي‭ ‬60‭ % ‬من‭ ‬مجمل‭ ‬حجم‭ ‬العمالة‭ ‬الكلي‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭ ‬مجتمعة؛‭ ‬وهي‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬البعض‭ ‬منهم‭ ‬يُطلق‭ ‬عليها‭ ‬صفة‭ ‬“القنابل‭ ‬الموقوتة”،‭ ‬وهي‭ ‬صفة‭ ‬قد‭ ‬تثبت‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الواقع،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نستمع‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬التحذيرات‭ ‬ولم‭ ‬نعرها‭ ‬أي‭ ‬اهتمام،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمامنا‭ ‬خيار‭ ‬آخر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬جرفتنا‭ ‬تيارات‭ ‬ومتطلبات‭ ‬حركة‭ ‬البناء‭ ‬والتنمية‭ ‬المطلوبة‭ ‬التي‭ ‬أطلقنا‭ ‬العنان‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬والمحاور‭  ‬الاقتصادية‭ ‬والخدمية‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬أصبحت‭ ‬تستنزف‭ ‬من‭ ‬مواردنا،‭ ‬وهذا‭ ‬حقها،‭ ‬ما‭ ‬مقداره‭ ‬122‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬سنويا،‭ ‬تحول‭ ‬نقدًا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القنوات‭ ‬المصرفية‭ ‬إلى‭ ‬خزائن‭ ‬أوطانها،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التحويلات‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القنوات‭ ‬والوسائل‭ ‬الأخرى‭.‬

واليوم‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬نبوءة‭ ‬المتوقعين‭ ‬والمحذرين‭ ‬بدأت‭ ‬تتحقق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وقع‭ ‬الفأس‭ ‬على‭ ‬الرأس‭ ‬وأصبحنا‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬أو‭ ‬ورطة‭ ‬ليس‭ ‬أمامنا‭ ‬حيالها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخيارات‭.‬

وبدون‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الاستطراد،‭ ‬دعونا‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬الصورة‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭: ‬إن‭ ‬العدد‭ ‬المقدر‭ ‬للأيدي‭ ‬العاملة‭ ‬الأجنبية‭ ‬أو‭ ‬الوافدة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬17‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬وإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬أفراد‭ ‬أسرهم؛‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬يقفز‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬24‭ ‬مليونا؛‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬نصف‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬دول‭ ‬المجلس،‭ ‬وبذلك‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تتصدر‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نسبة‭ ‬وجود‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬وفق‭ ‬تقارير‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭.‬

إن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬وافدة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬آسيوية‭ ‬مثل‭ ‬الهند‭ ‬والباكستان‭ ‬وبنغلاديش‭ ‬والفلبين،‭ ‬وإن‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬والغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬بدورها‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬الشرائح‭ ‬الدنيا‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬وضمن‭ ‬هذه‭ ‬الشرائح‭ ‬بالذات‭ ‬تندرج‭ ‬جحافل‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬القانونية،‭ ‬التي‭ ‬يقدر‭ ‬عددها‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الكويت‭ ‬فقط‭ ‬بربع‭ ‬مليون‭ ‬عامل‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭.‬

والتحدي‭ ‬الأول‭ ‬هنا‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬مقدرة‭ ‬اقتصادات‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬الراهنة‭ ‬والمستقبلية‭ ‬المنظورة‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬واستيعاب‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬الضخم،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬وظائف‭ ‬العمالة‭ ‬الوطنية‭ ‬وامتصاص‭ ‬الأعداد‭ ‬المتدفقة‭ ‬منها‭ ‬سنويًا‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭. ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬بالفعل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬مجبرة‭ ‬ومضطرة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة،‭ ‬إلى‭ ‬تسريح‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬وإطلاقها‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬المتقلصة‭ ‬لينضموا‭ ‬إلى‭ ‬صفوف‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة‭ ‬العاطلة،‭ ‬لتصبح‭ ‬المشكلة‭ ‬أكثر‭ ‬خطورة‭  ‬وتعقيدًا‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬العصيب،‭ ‬فإن‭ ‬حكومات‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬بادرت‭ ‬رغم‭ ‬تدني‭ ‬بل‭ ‬شحة‭ ‬الموارد‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬والمبادرات‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ومساندة‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬بهدف‭ ‬مساعدته‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬العمالة‭ ‬الوطنية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬إذا‭ ‬استمر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متوقع،‭ ‬فإن‭ ‬حكوماتنا‭ ‬ستكون‭ ‬مظطرة‭ ‬ومجبرة،‭ ‬ولن‭ ‬يكون‭ ‬أمامها‭ ‬خيار‭ ‬آخر،‭ ‬سوى‭ ‬مد‭ ‬شبكة‭ ‬الرعاية‭ ‬والحماية‭ ‬للعمالة‭ ‬الوافدة،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬الأعداد‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬ستتزايد‭ ‬وتتضاعف‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬السائبة‭ ‬العاطلة‭ ‬المطلقة‭ ‬في‭ ‬السوق؛‭ ‬وإلا‭ ‬فإن‭ ‬الحاجة‭ ‬والجوع‭ ‬ستدفع‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬لأن‭ ‬تصبح‭ ‬فعلًا‭  ‬“قنابل‭ ‬موقوتة”‭ ‬وتتحول‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قصير‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬للجريمة‭ ‬والعنف‭ ‬والإرهاب‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الخليجية‭.‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬ومما‭ ‬زاد‭ ‬الطين‭ ‬بلة،‭ ‬فإن‭ ‬العمالة‭ ‬الأجنبية‭ ‬المنضوية‭ ‬تحت‭ ‬الشرائح‭ ‬الدنيا‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬والسائبة‭ ‬منها‭ ‬صارت‭ ‬تشكل‭ ‬سلاحًا‭ ‬ذا‭ ‬حدين‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬حرب‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ومواجهتها‭ ‬لجائحة‭ ‬كورونا‭ ‬ومحاولاتها‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬انتشارها؛‭ ‬إذ‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬وأسهل‭ ‬أهداف‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬وأكبر‭ ‬ضحاياه؛‭ ‬نتيجة‭ ‬لافتقارها‭ ‬للوعي‭ ‬المطلوب‭ ‬ولأسلوب‭ ‬حياة‭ ‬أفرادها‭ ‬وكثرة‭ ‬اختلاطهم‭ ‬وعدم‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬تطبيق‭ ‬أنظمة‭ ‬ومقتضيات‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي؛‭ ‬بسبب‭ ‬تواجدهم‭ ‬الكثيف‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭ ‬وتكدسهم‭ ‬في‭ ‬مجمعات‭ ‬سكنية‭ ‬مكتظة‭ ‬ضيقة‭ ‬ينقصها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬المتطلبات‭ ‬الصحية،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬العمالة‭ ‬بعد‭ ‬إصابتها‭ ‬بالفيروس‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬منابع‭ ‬من‭ ‬الأخطار‭ ‬والتهديدات،‭ ‬وتصبح‭ ‬وسيلة‭ ‬وقناة‭ ‬لنشر‭ ‬الوباء‭ ‬وانتشاره‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الخليجية‭.‬

وبحسن‭ ‬نية،‭ ‬وكما‭ ‬ذكرنا‭ ‬فقد‭ ‬ارتفعت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬الأصوات‭ ‬المنادية‭ ‬والمطالبة‭ ‬بالتخلص‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬العمالة،‭ ‬خصوصًا‭ ‬السائبة‭ ‬منها،‭ ‬بترحيلها‭ ‬وشحنها‭ ‬إلى‭ ‬أوطانها‭ ‬غير‭ ‬مدركة‭ ‬أو‭ ‬متناسية‭ ‬عدم‭ ‬إمكانية‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك؛‭ ‬لاعتبارات‭ ‬وأسباب‭ ‬إنسانية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استنفدنا‭ ‬حاجتنا‭ ‬منها،‭ ‬ولأسباب‭ ‬عملية‭ ‬لأن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬صدرتها‭ ‬لن‭ ‬ترضى‭ ‬أو‭ ‬تقبل‭ ‬أو‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬استردادها‭ ‬الآن‭ ‬أو‭ ‬مستقبلًا،‭ ‬ولأسباب‭ ‬قانونية؛‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬الأعراف‭ ‬والمبادئ‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية‭.‬

‭ ‬وتأكيدًا‭ ‬لذلك‭ ‬وقبل‭ ‬أيام‭ ‬رفضت‭ ‬بالفعل‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬المصدرة‭ ‬استقبال‭ ‬حتى‭ ‬الراغبين‭ ‬من‭ ‬العمالة‭ ‬السائبة‭ ‬والعاطلة‭ ‬من‭ ‬رعاياها‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬أوطانها،‭ ‬متذرعة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬بالمعوقات‭ ‬العملية؛‭ ‬نظرًا‭ ‬لإغلاق‭ ‬منافذ‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬دولهم،‭ ‬وهي‭ ‬كلمة‭ ‬حق‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬باطل،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬الرفض‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬سفيري‭ ‬الهند‭ ‬والباكستان‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الامارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة،‭ ‬كما‭ ‬أصدرت‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬بالهند‭ ‬قرارًا‭ ‬يقضي‭ ‬بعدم‭ ‬استقبال‭ ‬مواطنيها‭ ‬الراغبين‭ ‬بالعودة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬إلى‭ ‬بلادهم‭ ‬بسبب‭ ‬أزمة‭ ‬الكورونا‭.‬

هذه‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لن‭ ‬تتجاوب‭ ‬ولن‭ ‬توافق‭ ‬على‭ ‬استعادتهم،‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬أيضًا؛‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيعني‭ ‬إغراق‭ ‬أسوق‭ ‬العمل‭ ‬فيها‭ ‬بعودة‭ ‬هذه‭ ‬العمالة،‭ ‬وحرمان‭ ‬خزائنها‭ ‬من‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬التي‭ ‬تجنيها‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬في‭ ‬رفضها،‭ ‬ستلقى‭ ‬التأييد‭ ‬والمساندة‭ ‬من‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬ومن‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بحقوق‭ ‬العمال‭ ‬المهاجرين‭ ‬وحق‭ ‬التجنيس‭.‬

والخلاصة‭ ‬إن‭ ‬على‭ ‬حكومات‭ ‬وشعوب‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬صعوبة‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬استحالة‭ ‬ترحيل‭ ‬وإعادة‭ ‬24‭ ‬مليون‭ ‬إنسان،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬نسبة‭ ‬ضئيلة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬وإعادتهم‭ ‬إلى‭ ‬أوطانهم‭ ‬الأصلية؛‭ ‬للأسباب‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استقروا‭ ‬وتجذروا‭ ‬بل‭ ‬استوطنوا‭ ‬عمليًا‭ ‬بلداننا‭ ‬وصاروا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أهم‭ ‬مكونات‭ ‬نسيجنا‭ ‬المجتمعي،‭ ‬وعلينا‭ ‬جميعًا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أيضًا‭ ‬أننا‭ ‬نقترب‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬ضياع‭ ‬أو‭ ‬ذوبان‭ ‬هويتنا‭ ‬الثقافية‭ ‬والوطنية‭ ‬وتراجعها‭ ‬أمام‭ ‬هذا‭ ‬الزحف‭ ‬الديموغرافي‭ ‬الكاسح،‭ ‬وأن‭ ‬تركيبتنا‭ ‬السكانية‭ ‬أخذت‭ ‬تقترب‭ ‬بسرعة‭ ‬من‭ ‬التحول‭ ‬لنصبح‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور‭ ‬أقلية‭ ‬في‭ ‬أوطاننا،‭ ‬فتتحول‭ ‬هويتنا‭ ‬القومية‭ ‬من‭ ‬عربية‭ ‬إلى‭ ‬آسيوية‭ ‬مهجنة‭.‬

فهل‭ ‬فات‭ ‬الأوان‭ ‬الآن،‭ ‬وأصبح‭ ‬ينطبق‭ ‬علينا‭ ‬المثل‭ ‬الشعبي‭ ‬الخليجي‭ ‬القائل‭ ‬“خبز‭ ‬خبزتيه‭ ‬يالرفلة‭ ‬إكليه”‭ ‬أم‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬بالإمكان‭ ‬اتخاذ‭ ‬وتبني‭ ‬السياسات‭ ‬والخطوات‭ ‬والإجراءات‭ ‬العلاجية‭ ‬الممكنة؟