“رمضان لم يعد يجمعنا”

| هدى حرم

يأتي‭ ‬رمضانُ‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬كضيفٍ‭ ‬طالما‭ ‬انتظرناه،‭ ‬لكننا‭ ‬نخشى‭ ‬ألا‭ ‬نُحسنَ‭ ‬ضيافته،‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬نستقبله‭ ‬بدموعِ‭ ‬الحنينِ‭ ‬والحزن،‭ ‬لطالما‭ ‬كان‭ ‬شهرُ‭ ‬رمضانَ‭ ‬المباركَ‭ ‬يجمعُنا؛‭ ‬فنستهلهُ‭ ‬بالتبريكِ‭ ‬والترحاب‭ ‬ونتهيأُ‭ ‬لاستقبالهِ‭ ‬بشوقٍ‭ ‬وسرور‭. ‬نهيئ‭ ‬منازلنا‭ ‬ونتزودُ‭ ‬بالمؤنِ‭ ‬اللازمةِ‭ ‬ونستعدُ‭ ‬روحياً‭ ‬ومعنوياً‭ ‬للشهر‭ ‬الفضيل،‭ ‬أما‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬فإنَّ‭ ‬الحزنَ‭ ‬والقلق‭ ‬يخيمُ‭ ‬على‭ ‬قلوبِنا؛‭ ‬بيدَ‭ ‬أنَّ‭ ‬أرواحَنا‭ ‬قد‭ ‬بدأتْ‭ ‬تسمو‭ ‬وبتنا‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقتٍ‭ ‬مضى‭ ‬بعد‭ ‬الجائحة،‭ ‬لكنَّ‭ ‬ضيقنا‭ ‬لصعوبةِ‭ ‬الاجتماعِ‭ ‬مع‭ ‬الأحبةِ‭ ‬وصلةِ‭ ‬الرحمِ‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نتألمُ‭ ‬ونحن‭ ‬نستقبلُ‭ ‬الشهرَ‭ ‬الفضيل‭.‬

وذلك‭ ‬ليس‭ ‬أسوأَ‭ ‬من‭ ‬حرماننا‭ ‬من‭ ‬الصلاةِ‭ ‬في‭ ‬رحابِ‭ ‬المولى‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬في‭ ‬بيوتِ‭ ‬الله‭ ‬جماعةً،‭ ‬كيف‭ ‬نتقبلُ‭ ‬حقيقةَ‭ ‬أنّا‭ ‬ممنوعونَ‭ ‬بأمرهِ‭ ‬من‭ ‬دخولِ‭ ‬بيتهِ‭ ‬في‭ ‬شهره‭ ‬الكريم؟‭ ‬كلُ‭ ‬المناسباتِ‭ ‬الخالدةِ‭ ‬التي‭ ‬نُحييها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهرِ‭ ‬لنْ‭ ‬تُقام،‭ ‬وكلُ‭ ‬الأماكنِ‭ ‬التي‭ ‬ترتبط‭ ‬لدينا‭ ‬بذكرياتِ‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬لن‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬زيارتها،‭ ‬الشوارعُ‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬لنْ‭ ‬توحي‭ ‬ربما‭ ‬بقدومِ‭ ‬شهرِ‭ ‬اللهِ‭ ‬الأعظم،‭ ‬والبيوتاتُ‭ ‬مغلقةٌ‭ ‬والأبوابُ‭ ‬مقفلة،‭ ‬لا‭ ‬“نقصة”‭ ‬تُرسلُ‭ ‬للجيرانِ‭ ‬وتلفُ‭ ‬بها‭ ‬الفتياتُ‭ ‬في‭ ‬الحيِ‭ ‬من‭ ‬منزلٍ‭ ‬لآخر،‭ ‬لا‭ ‬دعاءَ‭ ‬ولا‭ ‬قرآنَ‭ ‬ولا‭ ‬صلواتٍ‭ ‬ستصدحُ‭ ‬من‭ ‬مكبراتِ‭ ‬الصوتِ‭ ‬في‭ ‬بيوتِ‭ ‬الله‭!‬

ويبدو‭ ‬أنّا‭ ‬لنْ‭ ‬نجدَ‭ ‬مذاقَ‭ ‬أطباقنا‭ ‬الشعبيةَ‭ ‬المفضلةَ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيلِ‭ ‬لذيذاً‭ ‬كما‭ ‬اعتدنا،‭ ‬أغلبُنا‭ ‬لن‭ ‬يجد‭ ‬متعةً‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬أثوابِ‭ ‬العيدِ‭ ‬أو‭ ‬“القرقاعون”؛‭ ‬فلنْ‭ ‬يتراكضَ‭ ‬الأطفالُ‭ ‬في‭ ‬الشوارعِ‭ ‬ليلةَ‭ ‬“النصفِ‭ ‬من‭ ‬رمضان”‭ ‬للحصولِ‭ ‬على‭ ‬النقودِ‭ ‬والحلوى‭ ‬من‭ ‬المنازل‭ ‬المجاورة،‭ ‬ولن‭ ‬يزوروا‭ ‬الأهلَ‭ ‬صباحَ‭ ‬العيد‭ ‬للتهنئة‭ ‬واستلام‭ ‬“العيديةِ”‭ ‬من‭ ‬الأهلِ‭ ‬والأقرباء‭.‬

الوباءُ‭ ‬هو‭ ‬السبب،‭ ‬والتباعدُ‭ ‬الاجتماعي‭ ‬صارَ‭ ‬واجباً‭ ‬شرعياً،‭ ‬وصلةُ‭ ‬الرحمِ‭ ‬أضحتْ‭ ‬من‭ ‬السيئات‭. ‬وفي‭ ‬ظلِ‭ ‬انقلابِ‭ ‬الصورة،‭ ‬لا‭ ‬نجدُ‭ ‬بداً‭ ‬من‭ ‬التأقلمِ‭ ‬مع‭ ‬الوضعِ‭ ‬الراهن،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الحزن‭. ‬نحن‭ ‬أمةٌ‭ ‬مسلمةٌ‭ ‬مؤمنةٌ‭ ‬بقضاءِ‭ ‬الله‭ ‬وقدره،‭ ‬متيقنون‭ ‬بأنه‭ ‬يرعانا‭ ‬ويحفظنا،‭ ‬وسنستقبلُ‭ ‬شهرهُ‭ ‬المبارك‭ ‬بالحبِ‭ ‬والشوقِ‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬التحديات،‭ ‬سنستقبلُ‭ ‬ضيفنا‭ ‬بأذرعٍ‭ ‬مفتوحة‭ ‬وسنعانقهُ‭ ‬بقوة‭. ‬سنقدمُ‭ ‬كلَ‭ ‬ما‭ ‬يجبُ‭ ‬علينا‭ ‬تقديمه‭ ‬في‭ ‬معازلنا،‭ ‬سنجتمعُ‭ ‬مع‭ ‬الأهلِ‭ ‬عبرَ‭ ‬وسائلِ‭ ‬التواصل‭ ‬وسنحتفلُ‭ ‬بمناسباته‭ ‬في‭ ‬مساكننا،‭ ‬وكلُنا‭ ‬أملٌ‭ ‬أنْ‭ ‬يعودَ‭ ‬علينا‭ ‬في‭ ‬القابلِ‭ ‬بحالٍ‭ ‬أفضل‭ ‬وسعةٍ‭ ‬أشمل‭.‬