وَخْـزَةُ حُب

شر الإنسان: من الاستخلاف إلى الاستملاك!

| د. زهرة حرم

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬الكائن‭ ‬الوحيد‭ ‬المُؤتمن‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وهو‭ ‬الجنس‭ ‬المعنيّ‭ ‬بالخلافة‭ ‬عليها،‭ ‬وتعميرها؛‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عاث‭ ‬فيها‭ ‬تخريبًا‭ ‬وإفسادًا‭. ‬ومادام‭ ‬إبليس‭ ‬قرينًا‭ ‬ملازمًا‭ ‬لهذا‭ ‬الإنسان؛‭ ‬فلن‭ ‬يتوقف‭ ‬جشعه‭ ‬وطمعه،‭ ‬أو‭ ‬أنانيته‭! ‬فقد‭ ‬استطاعت‭ ‬ثُلل‭ (‬مجموعات‭) ‬متحكمة‭ ‬برقاب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬–‭ ‬عبر‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬ومشهود‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بقعة‭ ‬ومكان‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬تصطنع‭ ‬دوّامات‭ ‬من‭ ‬الصراعات،‭ ‬والحروب،‭ ‬والتجويع،‭ ‬والقتل،‭ ‬وسفك‭ ‬الدماء،‭ ‬مخطئ‭ ‬–‭ ‬جدًا‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬قانون‭ ‬الغاب‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬حيواناتها‭! ‬فالعالم‭ ‬الإنساني‭ ‬أبشع‭ ‬منه،‭ ‬وأقسى‭ ‬وأمر،‭ ‬إن‭ ‬قانون‭ ‬البقاء‭ ‬للأقوى‭ ‬هو‭ ‬الدستور‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يفتأ‭ ‬بنو‭ ‬آدم‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬عليه،‭ ‬والكد،‭ ‬والمجاهدة‭.‬

التاريخ‭ ‬يحكي‭ ‬لنا‭ ‬مجازر،‭ ‬ومآسي‭ ‬تصيبنا‭ ‬بالدهشة،‭ ‬بل‭ ‬الصدمة‭! ‬وهذه‭ ‬الصور‭ ‬الحديثة‭ ‬للحروب‭ ‬العالمية‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عنها‭ ‬شناعة‭! ‬وهي‭ ‬في‭ ‬العمق‭ ‬كشفٌ‭ ‬لهذا‭ ‬الباطن‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬جانبه‭ ‬الشرير،‭ ‬إن‭ ‬نظرة‭ ‬سريعة‭ ‬لجثث‭ ‬الحروب،‭ ‬والدمار،‭ ‬والنيران،‭ ‬وما‭ ‬يعقب‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬كارثية‭ ‬على‭ ‬البشر،‭ ‬والأرض؛‭ ‬تُسقط‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬علياء‭ ‬المهمة‭ ‬الإلهية‭ ‬في‭ ‬الاستخلاف‭ ‬والإعمار‭ ‬إلى‭ ‬دَرَك‭ ‬الاستملاك،‭ ‬والسيطرة،‭ ‬والهيمنة،‭ ‬والنفوذ،‭ ‬وشتان‭ ‬بين‭ ‬تلكم‭ ‬المهام‭ ‬الرحمانية،‭ ‬وهذه‭ ‬الشيطانية‭.‬

الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يُعمر‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬المطلق،‭ ‬بل‭ ‬يستعمر‭ ‬ما‭ ‬يستملك،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬يده‭ ‬عليه،‭ ‬لذلك‭ ‬سخّر‭ ‬كل‭ ‬طاقاته،‭ ‬وما‭ ‬ابتكره‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تكنولوجيات،‭ ‬وتقنيات‭ ‬حديثة،‭ ‬وذكائيات‭ ‬اصطنعها؛‭ ‬ليحمي‭ ‬أملاكه،‭ ‬وما‭ ‬دار‭ ‬في‭ ‬حظيرته،‭ ‬لذلك‭ ‬فالخارج‭ ‬عن‭ ‬حدودها،‭ ‬لا‭ ‬يعنيه،‭ ‬إلا‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يحمي‭ ‬أو‭ ‬يُقوّي‭ ‬هذه‭ ‬الحظيرة،‭ ‬أو‭ ‬يُوسع‭ ‬منها‭! ‬فما‭ ‬دار‭ ‬في‭ ‬فَلَكها‭ ‬كان،‭ ‬وما‭ ‬تعدى‭ ‬عليها،‭ ‬أو‭ ‬تجاوزها؛‭ ‬يُحارب،‭ ‬وتضْعف‭ ‬شوكته؛‭ ‬ليستسلم،‭ ‬أو‭ ‬يستكين‭! ‬أليست‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬قاعدة‭ ‬البقاء‭ ‬للأقوى؟‭!‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬الطويل‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬–‭ ‬لم‭ ‬يتعلم‭ ‬سوى‭ ‬تدجيج‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ (‬البقاء‭ ‬للأقوى‭)‬،‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الوسائل،‭ ‬التي‭ ‬يضمن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تحقيق‭ ‬أقصى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الصلاحية‭ ‬لوجوده،‭ ‬هذه‭ ‬التركيبة‭ ‬الشرسة‭ ‬ذات‭ ‬البُعد‭ ‬الإبليسي،‭ ‬هي‭ ‬السبب‭ ‬الوجيه‭ ‬لغياب‭ ‬القاعدة‭ ‬المثلى‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ (‬البقاء‭ ‬للجميع‭)‬؛‭ ‬البقاء‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬الجميع‭ ‬خلائف‭ ‬الأرض،‭ ‬يحمون‭ ‬كل‭ ‬دابة،‭ ‬وشجر،‭ ‬وماء،‭ ‬وسماء،‭ ‬ولكن‭! ‬كيف‭ ‬لذلك‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬وإبليس‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬حيٌّ‭ ‬–‭ ‬حتى‭ ‬النخاع‭ ‬–‭ ‬يبتكر‭ ‬أسلحته،‭ ‬ويؤسس‭ ‬عوامل‭ ‬وجوده‭! ‬إنه‭ ‬يتنفس‭ ‬عبر‭ ‬الإنسان،‭ ‬يُذكي‭ ‬نوازع‭ ‬الشر‭ ‬فيه،‭ ‬منتهزا‭ ‬حاجته‭ ‬الفطرية‭ ‬للبقاء،‭ ‬لذلك؛‭ ‬كم‭ ‬وكم‭ ‬طغى‭ ‬الشر‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الخير؟‭!.‬