سوالف

غوستاف والرعب من حدوث خراب عالمي

| أسامة الماجد

جلوسنا‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬غير‭ ‬سلوكنا‭ ‬ونظرتنا،‭ ‬وكان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬نوفر‭ ‬وقتا‭ ‬للقراءة‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬وألا‭ ‬نستسلم‭ ‬لفاجعة‭ ‬العمل‭ ‬والالتزامات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنتهي،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬نمر‭ ‬بها‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬وطيدة‭ ‬بالسلوك‭ ‬والنفس‭ ‬والمستقبل،‭ ‬وددت‭ ‬أن‭ ‬أشاركك‭ ‬قارئي‭ ‬العزيز‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الرائع‭ ‬“النفس‭ ‬غير‭ ‬المكتشفة”‭ ‬للطبيب‭ ‬والعالم‭ ‬النفسي‭ ‬السويسري‭ ‬كارل‭ ‬غوستاف‭ ‬الذي‭ ‬انتهيت‭ ‬من‭ ‬قراءته‭ ‬قبل‭ ‬أيام،‭ ‬مستعرضا‭ ‬وملخصا‭ ‬أهم‭ ‬فقراته‭.‬

يطرح‭ ‬غوستاف‭ ‬سؤالا‭ ‬ينطلق‭ ‬كالوهج‭ ‬وهو‭.. ‬ماذا‭ ‬سيأتي‭ ‬بالمستقبل؟‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يتردد‭ ‬دائما،‭ ‬كلما‭ ‬ازدادت‭ ‬محنة‭ ‬الإنسان‭ ‬المعاصر‭ ‬تأزما،‭ ‬بتفاقم‭ ‬المحن‭ ‬الجسدية،‭ ‬والسياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬تطبع‭ ‬بطابعها‭ ‬عصرنا‭ ‬بأكمله‭. ‬وعندما‭ ‬تتضارب‭ ‬التوقعات‭ ‬والأحلام‭ ‬اللاهثة‭ ‬وراء‭ ‬“يوتوبيا”‭ ‬عسيرة‭ ‬المنال‭ ‬يبقى‭ ‬المستقبل‭ ‬فقط‭ ‬خلاص‭ ‬الإنسان‭ ‬الوحيد‭ ‬مادام‭ ‬يعني‭ ‬الغد‭ ‬الذي‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬استجلائه‭ ‬ببصيرة‭ ‬واعية‭ ‬لا‭ ‬تحيط‭ ‬قدرتها‭ ‬الرؤية‭ ‬وخيالات‭ ‬الحلم‭ ‬وثراءه‭.‬

ثم‭ ‬يتساءل‭ ‬غوستاف‭ ‬بصوت‭ ‬كالمطر‭ ‬النازف‭ ‬ويقول‭... ‬يبدو‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الرعب‭ ‬المصيري‭ ‬من‭ ‬حدوث‭ ‬خراب‭ ‬عالمي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬توقعات‭ ‬عصر‭ ‬العلم‭ ‬المتفائلة‭ ‬تتلاشى‭ ‬بسرعة،‭ ‬مع‭ ‬انسحاب‭ ‬العصر‭ ‬الألفي‭ ‬السعيد‭ ‬واقتراب‭ ‬نهايته،‭ ‬وتطور‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬يواكبه‭ ‬انسحاق‭ ‬مريع‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الفردي‭ ‬ونشوء‭ ‬ستارات‭ ‬حديدية‭ ‬تقسم‭ ‬المجال‭ ‬الإنساني‭ ‬إلى‭ ‬معسكرات‭ ‬متطاحنة‭ ‬وتساقط‭ ‬قلاع‭ ‬الفرد‭ ‬الإنساني‭ ‬وانتشار‭ ‬الظلمة‭ ‬الروحية‭ ‬والأخلاقية‭.‬

ويلف‭ ‬غوستاف‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬حول‭ ‬عنقنا‭ ‬إكليلا‭ ‬من‭ ‬ثمار‭ ‬“أوديسيوس”‭ ‬ويقول‭... ‬قد‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬الحوار‭ ‬العقلاني‭ ‬وسيلة‭ ‬نافعة‭ ‬لتجاوز‭ ‬التناقضات‭ ‬المتولدة‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬فهم‭ ‬معسكر‭ ‬معين‭ ‬لوجهة‭ ‬نظر‭ ‬الآخر،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينجح‭ ‬فقط،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الحالة‭ ‬المعطاة‭ ‬لا‭ ‬تتعدى‭ ‬الدرجة‭ ‬الانتقادية،‭ ‬فإذا‭ ‬ما‭ ‬تعدت‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة،‭ ‬حلت‭ ‬صيحات‭ ‬الحرب‭ ‬محل‭ ‬العقل‭. ‬إن‭ ‬كارل‭ ‬غوستاف‭ ‬بهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الجميل،‭ ‬يلتحق‭ ‬بأولئك‭ ‬العلماء‭ ‬الذين‭ ‬يدخلون‭ ‬العتمة‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭ ‬كالديدان‭ ‬الطويلة‭ ‬العمياء‭ ‬التي‭ ‬تأكل‭ ‬على‭ ‬مهل،‭ ‬عله‭ ‬يفهم‭ ‬الأسرار‭ ‬ويكتشفها‭.‬