سوالف

الأصم والأعمى والأخرس... والجمعيات الغائبة

| أسامة الماجد

خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬والبحرين‭ ‬تعيش‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬العالمية،‭ ‬ظهرت‭ ‬وجوه‭ ‬أشبه‭ ‬باللؤلؤ،‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬صفاء‭ ‬وأكثر‭ ‬عمقا‭ ‬وأكثر‭ ‬حقيقة،‭ ‬والبطولة‭ ‬والتضحية‭ ‬تلمعان‭ ‬من‭ ‬أعينهم،‭ ‬حيث‭ ‬خدموا‭ ‬الوطن‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬متحدين‭ ‬متضامنين‭ ‬لإزالة‭ ‬أية‭ ‬عوائق‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬نجاح‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬لكورونا‭. ‬وجوه‭ ‬وطنية‭ ‬اشتغلت‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬أوسع‭ ‬وأرحب‭ ‬من‭ ‬مجالاتهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الوطن‭ ‬وحتى‭ ‬نستوفي‭ ‬جميع‭ ‬الشروط‭ ‬الضرورية‭ ‬التي‭ ‬تكفل‭ ‬لنا‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوباء،‭ ‬اشتغل‭ ‬من‭ ‬اشتغل‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬العلم‭ ‬والفكر‭ ‬والأدب‭ ‬والفن‭ ‬وأسهموا‭ ‬بشكل‭ ‬إيجابي‭ ‬في‭ ‬الجهود‭ ‬الوطنية‭ ‬لاحتواء‭ ‬ومنع‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬بثمرات‭ ‬عبقرياتهم‭ ‬ونتاج‭ ‬نبوغهم‭ ‬وإبداع‭ ‬تصوراتهم،‭ ‬وشاركوا‭ ‬الفريق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭ ‬ولم‭ ‬يبخلوا‭ ‬من‭ ‬العطاء‭. ‬لم‭ ‬يفكروا‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬تعاون‭ ‬أو‭ ‬تنسيق‭ ‬أو‭ ‬تخطيط‭ ‬لكنهم‭ ‬قالوا‭ ‬بصوت‭ ‬واحد‭ ‬“لبيك‭ ‬يا‭ ‬وطن”‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موقع‭ ‬تحتاجه‭.‬

في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬اختفت‭ ‬وجوه‭ ‬وأصوات‭ ‬وما‭ ‬لديها‭ ‬من‭ ‬ذخيرة‭ ‬عقلية،‭ ‬وكأنها‭ ‬غير‭ ‬موجودة‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬ومعها‭ ‬بعض‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والجمعيات،‭ ‬خصوصا‭ ‬تلك‭ ‬الجمعيات‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬امتيازات‭ ‬سريعة‭ ‬للخطابات‭ ‬وتحترف‭ ‬التنظير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة،‭ ‬وتثرثر‭ ‬عن‭ ‬أهدافها‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالقضايا‭ ‬الجماهيرية،‭ ‬فيحق‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نتساءل،‭ ‬أين‭ ‬أنتم‭ ‬ولماذا‭ ‬أصبحتم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات‭ ‬مثل‭ ‬الأصم‭ ‬والأعمى‭ ‬والأخرس،‭ ‬لماذا‭ ‬تحولتم‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬فرشاة‭ ‬ترسم‭ ‬لوحة‭ ‬سريالية،‭ ‬ما‭ ‬قيمة‭ ‬جمعياتكم‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬مع‭ ‬الوطن‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬بالقليل‭ ‬على‭ ‬أقل‭ ‬تقدير،‭ ‬مثل‭ ‬التطوع‭ ‬بتعقيم‭ ‬بعض‭ ‬الطرقات‭ ‬والشوارع‭ ‬والأحياء‭ ‬أو‭ ‬إنتاج‭ ‬الأفلام‭ ‬التوعوية‭ ‬القصيرة‭ ‬وكثيرة‭ ‬هي‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تعمق‭ ‬الشعور‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬الوطنية‭ ‬تجاه‭ ‬المجتمع،‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬موجودا‭ ‬وتلحظني‭ ‬العين‭ ‬العادية‭ ‬“اسم‭ ‬ومسمى”‭ ‬بشجاعتي‭ ‬وحبي‭ ‬للوطن،‭ ‬بدل‭ ‬الجلوس‭ ‬في‭ ‬الطوابق‭ ‬العليا‭ ‬والتفرج‭ ‬بصمت‭. ‬

ما‭ ‬يحيرني‭ ‬بالفعل‭ ‬هو‭ ‬اختفاء‭ ‬البعض‭ ‬ممن‭ ‬كان‭ ‬مسكونا‭ ‬بالثرثرة‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬والمسؤولية‭ ‬“أفرادا‭ ‬وجمعيات”‭. ‬يقول‭ ‬بيت‭ ‬الشعر‭ ‬“ما‭ ‬لي‭ ‬أرى‭ ‬الصمت‭ ‬قد‭ ‬غامت‭ ‬سحابته‭... ‬على‭ ‬النفوس،‭ ‬وهذا‭ ‬الصوت‭ ‬لم‭ ‬يجب،‭ ‬حقيقة،‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬دنيا‭ ‬متاهتها‭...  ‬مشرد‭ ‬اللب‭ ‬بين‭ ‬الشك‭ ‬والعجب”‭.‬