كورونا والثقافة الاستهلاكية

| عبدعلي الغسرة

هل‭ ‬أفقدنا‭ ‬“كوفيد‭ ‬19”‭ ‬طعم‭ ‬الاستهلاك‭ ‬ومذاق‭ ‬الطعام؟‭ ‬أم‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬قابليتنا‭ ‬للشراء‭ ‬من‭ ‬المحلات‭ ‬والبرادات؟‭ ‬فبالرغم‭ ‬من‭ ‬تفشي‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬عالميًا‭ ‬والالتزام‭ ‬بالحجر‭ ‬المنزلي‭ ‬وفرض‭ ‬العقوبات‭ ‬والغرامات‭ ‬على‭ ‬المخالفين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬بيته،‭ ‬فالأطباء‭ ‬والعُمال‭ ‬والفنيون‭ ‬والمسؤولون‭ ‬يَعملون‭ ‬من‭ ‬أجلنا‭ ‬ونحن‭ ‬جالسون‭ ‬في‭ ‬بيوتنا،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المصانع‭ ‬والمزارع‭ ‬تباطأ‭ ‬أو‭ ‬توقف‭ ‬فيها‭ ‬العمل‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية‭ ‬من‭ ‬زراعية‭ ‬وصناعية‭ ‬تصل‭ ‬الأسواق‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يد‭ ‬المستهلك‭.‬

إذا،‭ ‬ليست‭ ‬هناك‭ ‬قلة‭ ‬في‭ ‬الغذاء،‭ ‬فالغذاء‭ ‬متوفر‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬وبكثرة،‭ ‬لكن‭ ‬القلة‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬ولعل‭ ‬زمن‭ ‬الكوفيد‭ ‬يُعلمنا‭ ‬ويرشدنا‭ ‬لنمط‭ ‬حياة‭ ‬استهلاك‭ ‬رشيد‭ ‬ومُفيد،‭ ‬خصوصا‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إصلاح‭ ‬في‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬والثقافة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬ليست‭ ‬بدعة‭ ‬اجتماعية‭ ‬ولا‭ ‬قانونا‭ ‬قسريا،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬حاجة‭ ‬للتوقف‭ ‬عن‭ ‬شراء‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬أحتاجه‭ ‬الآن،‭ ‬والتقليل‭ ‬منه،‭ ‬وعدم‭ ‬صرف‭ ‬النقود‭ ‬لشراء‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يُعرض؛‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬العروض‭ ‬الترويجية‭ ‬التي‭ ‬تسلب‭ ‬الناس‭ ‬مدخراتهم‭ ‬التي‭ ‬يحتاجون‭ ‬إليها‭ ‬لاحقًا‭.‬

إن‭ ‬الثقافة‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬سلوك‭ ‬حياتي‭ ‬وحضاري‭ ‬يُعلمنا‭ ‬كيف‭ ‬نشتري‭ ‬ومتى،‭ ‬ويرشدنا‭ ‬إلى‭ ‬الطريقة‭ ‬المُثلى‭ ‬لاقتناء‭ ‬هذه‭ ‬السلعة‭ ‬وترك‭ ‬تلك‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬حاجتنا‭ ‬إلى‭ ‬السلعة‭ ‬كمًا‭ ‬وكيفًا،‭ ‬فالشراء‭ ‬بكثرة‭ ‬بدون‭ ‬تأني‭ ‬يعني‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الاستهلاك‭ ‬وإنفاقا‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬محله‭.‬

ونحن‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الكورونا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نشتري‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه،‭ ‬ونبتعد‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬سعره‭ ‬مُتدنيًا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تنتقل‭ ‬أموال‭ ‬المستهلكين‭ ‬إلى‭ ‬جيوب‭ ‬المنتجين‭ ‬والتجار‭ ‬والشركات‭. ‬إن‭ ‬الأزمات‭ ‬تُمثل‭ ‬فرصة‭ ‬استثنائية‭ ‬للتأمل‭ ‬والتدبر‭ ‬والتصويب،‭ ‬وهي‭ ‬امتحان‭ ‬لمراجعة‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والاستهلاك،‭ ‬والتأمل‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬جميع‭ ‬البشر،‭ ‬وكم‭ ‬هو‭ ‬جميل‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬بالشراء‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬استهلاك‭ ‬ما‭ ‬لدينا،‭ ‬وأن‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬بيوتنا‭ ‬مخازن‭ ‬أخرى‭ ‬لتخزين‭ ‬بضائع‭ ‬التجار،‭ ‬فعلينا‭ ‬أن‭ ‬نشتري‭ ‬ما‭ ‬نحتاج‭ ‬إليه‭ ‬وترك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نحتاجه،‭ ‬حماية‭ ‬لنا‭ ‬ولأموالنا‭.‬