تعاون السلطتين

| د. عبدالله الحواج

بات‭ ‬أمرًا‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬قوانين‭ ‬عصر‭ ‬كورونا‭ ‬لابد‭ ‬وأن‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬السائدة‭ ‬قبل‭ ‬“الجائحة”،‭ ‬ولأن‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬مستهل‭ ‬اجتماعاته‭ ‬المكوكية‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ترأس‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬اجتماع‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإثنين‭ ‬الماضي‭ ‬أم‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬دعا‭ ‬فيها‭ ‬رئيسا‭ ‬مجلسي‭ ‬النواب‭ ‬والشورى‭ ‬كانت‭ ‬الأحاديث‭ ‬منصبة‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬عصر‭ ‬الوباء،‭ ‬مع‭ ‬آثاره‭ ‬واجتياحاته،‭ ‬مع‭ ‬تجاذباته‭ ‬وتداعياته،‭ ‬ولأن‭ ‬البصيرة‭ ‬الثاقبة‭ ‬لا‭ ‬تضل‭ ‬جادتها‭ ‬المنشودة‭ ‬عند‭ ‬القادة‭ ‬الحكماء،‭ ‬فإن‭ ‬الأب‭ ‬الرئيس‭ ‬باشر‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬تعديل‭ ‬بعض‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬دعم‭ ‬بعض‭ ‬الأنشطة‭ ‬والقطاعات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬انعكست‭ ‬عليها‭ ‬الجائحة‭ ‬بشكل‭ ‬سافِر‭ ‬وشامل،‭ ‬أما‭ ‬المواطن‭ ‬فلابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬القاسم‭ ‬الأعظم‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬بين‭ ‬عصر‭ ‬الوباء‭ ‬وتراكماته،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬سائدًا‭ ‬قبل‭ ‬“الاجتياح”‭ ‬وتشريعاته‭.‬

التعاون‭ ‬بين‭ ‬السلطتين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭ ‬هو‭ ‬كلمة‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬سبر‭ ‬أغوار‭ ‬هذا‭ ‬الدرب‭ ‬الجديد،‭ ‬فالقوانين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تغييرها‭ ‬إلا‭ ‬بإعلان‭ ‬نيابي‭ ‬واضح‭ ‬المعالم‭ ‬والتفسيرات،‭ ‬والحماية‭ ‬التشريعية‭ ‬لأي‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬منظومة،‭ ‬أو‭ ‬تطوير‭ ‬في‭ ‬نشاط،‭ ‬أو‭ ‬استحداث‭ ‬لسياسة‭ ‬كان‭ ‬وسيظل‭ ‬بمثابة‭ ‬السند‭ ‬الفاعل‭ ‬القاطع‭ ‬الحاسم‭ ‬لأي‭ ‬تحرك‭ ‬مستقبلي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يزول‭ ‬الخطر،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬الجائحة‭ ‬وكأنها‭ ‬أمر‭ ‬واقع،‭ ‬ضيف‭ ‬ثقيل‭ ‬على‭ ‬المعمورة،‭ ‬مستعمر‭ ‬جديد‭ ‬للإنسانية‭ ‬والإنسان‭.‬

إن‭ ‬رؤية‭ ‬الرئيس‭ ‬القائد‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬سد‭ ‬الذرائع،‭ ‬وتلك‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬إستراتيجية‭ ‬تجسيد‭ ‬التحوط،‭ ‬إنما‭ ‬توضح‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الوقاية‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬العلاج،‭ ‬وإلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬تلعب‭ ‬خبرة‭ ‬السنين‭ ‬ذلك‭ ‬الدور‭ ‬المصيري‭ ‬الذي‭ ‬يُثبت‭ ‬أقدام‭ ‬الأمم‭ ‬ويجعلها‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تصويب‭ ‬المسارات،‭ ‬وتفنيد‭ ‬التوجهات،‭ ‬وتغيير‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬الخطر‭ ‬قريبًا،‭ ‬وكلما‭ ‬كانت‭ ‬الكوارث‭ ‬مُحدقة،‭ ‬وكلما‭ ‬كان‭ ‬بيت‭ ‬القصيد‭ ‬بعيدًا‭.‬

حالة‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬الرضا‭ ‬والتراضي‭ ‬بين‭ ‬القيادة‭ ‬والشعب،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬فيها‭ ‬الدولة‭ ‬ويرتكن‭ ‬إلى‭ ‬فضائلها‭ ‬سمو‭ ‬الرئيس،‭ ‬كلما‭ ‬كانت‭ ‬حجارة‭ ‬التعثر‭ ‬كثيفة‭ ‬في‭ ‬الأفق،‭ ‬وأفضال‭ ‬التشافي‭ ‬أكثر‭ ‬شفافية‭ ‬عند‭ ‬تجاوز‭ ‬المعضلة‭.‬

كورونا‭ ‬أو‭ ‬غيره،‭ ‬جائحة‭ ‬أو‭ ‬كارثة‭ ‬كاسحة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مواجهتها‭ ‬إلا‭ ‬بأمم‭ ‬متسامحة،‭ ‬أمم‭ ‬لا‭ ‬تكيل‭ ‬بمكيالين،‭ ‬ولا‭ ‬ترد‭ ‬الصاع‭ ‬صاعين،‭ ‬أمم‭ ‬تتسم‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬التعايش‭ ‬والتراحم،‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬أسانيد‭ ‬البقاء‭ ‬والركون‭ ‬إليها،‭ ‬وتصفيف‭ ‬شجيرات‭ ‬العزة‭ ‬والاستشهاد‭ ‬بها،‭ ‬والالتحام‭ ‬مع‭ ‬جموع‭ ‬الشعب‭ ‬العامل‭ ‬وإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬وتعضيد‭ ‬أواصر‭ ‬قوتها‭ ‬وعوامل‭ ‬بقائها‭.‬

كورونا‭ ‬أو‭ ‬غيره،‭ ‬جديدًا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬على‭ ‬كون‭ ‬غير‭ ‬مستعد،‭ ‬على‭ ‬أمم‭ ‬لا‭ ‬تؤمن،‭ ‬وعلى‭ ‬قوميات‭ ‬لا‭ ‬تجيد‭ ‬التعامل‭ ‬بالحسنى،‭ ‬ونحمد‭ ‬الله‭ ‬ونشكر‭ ‬فضله‭ ‬أننا‭ ‬ننتمي‭ ‬لأمة‭ ‬محمد‭ (‬ص‭) ‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬الإيمان‭ ‬في‭ ‬المهد،‭ ‬وأدركت‭ ‬التراحم‭ ‬منذ‭ ‬ولادة‭ ‬العقيدة‭ ‬وطلوع‭ ‬البدر‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬“المدينة”،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬لنا‭ ‬إلا‭ ‬الاعتصام‭ ‬بحبل‭ ‬الله،‭ ‬إلا‭ ‬الإيمان‭ ‬بأن‭ ‬الفرقة‭ ‬لا‭ ‬تفيد،‭ ‬والانقسام‭ ‬لا‭ ‬يبني‭ ‬أمة‭ ‬ولا‭ ‬ينقذ‭ ‬شراعا‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬يدرك‭ ‬الرئيس‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬التعاون‭ ‬خير‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬التشرذم،‭ ‬والتكاتف‭ ‬أكثر‭ ‬بركة‭ ‬وامتلاء‭ ‬من‭ ‬الطرق‭ ‬المتفرقة‭ ‬التي‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬الزرع‭ ‬والضرع،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬نرفع‭ ‬جميعًا‭ ‬القبعات‭ ‬لخليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬بأنه‭ ‬استهل‭ ‬نشاطه‭ ‬المكثف‭ ‬بتلك‭ ‬اللقاءات‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬خلية‭ ‬الأزمة‭ ‬مع‭ ‬السلطتين،‭ ‬والسلطتان‭ ‬مع‭ ‬سموه‭ ‬شخصيًا،‭ ‬وكل‭ ‬أطراف‭ ‬معادلة‭ ‬المنظومة،‭ ‬بالإيمان‭ ‬بأننا‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬الجائحة،‭ ‬والامتنان‭ ‬بأن‭ ‬لنا‭ ‬قادة‭ ‬أشداء‭ ‬يستطيعون‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬شعبهم،‭ ‬وشعبهم‭ ‬من‭ ‬ورائهم‭ ‬يهتف‭ ‬بالروح‭ ‬بالحب‭ ‬نفديك‭ ‬يا‭ ‬بحرين‭.‬