زبدة القول

مشاهد متناقضة في زمن الكورونا

| د. بثينة خليفة قاسم

مشاهد‭ ‬متناقضة‭ ‬كثيرة‭ ‬رأيناها‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬الكورونية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل،‭ ‬مشاهد‭ ‬جعلتنا‭ ‬نهدم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬الذهنية‭ ‬التي‭ ‬اختزلناها‭ ‬في‭ ‬أذهاننا‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭.‬

رأينا‭ ‬شعوبا‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬الإنسانية‭ ‬وبدأت‭ ‬تنظر‭ ‬للبعض‭ ‬باحتقار،‭ ‬ورأينا‭ ‬دولا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المتمدين‭ ‬تسطو‭ ‬على‭ ‬حمولات‭ ‬الكمامات‭ ‬والأجهزة‭ ‬الطبية‭ ‬المرسلة‭ ‬إلى‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬وتستولي‭ ‬عليها‭ ‬وتقول‭ ‬نفسي‭ ‬نفسي‭! ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬يتصر‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬العنصرية‭ ‬تجاه‭ ‬شعوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬وآسيا‭.‬

وفي‭ ‬مقالها‭ ‬بصحيفة‭ ‬الغارديان‭ ‬البريطانية‭ ‬كتبت‭ ‬نسرين‭ ‬مالك‭ ‬البريطانية‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬سوداني‭ ‬انه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬بريطانيا‭ ‬وغيرها،‭ ‬سوف‭ ‬يعرف‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬المهاجرين‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬سببا‭ ‬لاستنزاف‭ ‬الخدمة‭ ‬الوطنية‭ ‬ولكنهم‭ ‬كانوا‭ ‬سببا‭ ‬لتدعيمها‭.‬

ورأينا‭ ‬العنصرية‭ ‬واضحة‭ ‬وضوح‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬وفي‭ ‬باريس‭ ‬عن‭ ‬الأفارقة‭ ‬والآسيويين،‭ ‬وسمعنا‭ ‬من‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬تجارب‭ ‬حول‭ ‬كورونا‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬الأفريقية‭ ‬وكأن‭ ‬الأفارقة‭ ‬فئران‭ ‬تجارب‭ ‬للعالم‭ ‬المتمدين‭. ‬سمعنا‭ ‬من‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬المهاجرين‭ ‬استنزفوا‭ ‬إمكانيات‭ ‬الخدمة‭ ‬الصحية‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬ولكننا‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬رأينا‭ ‬أطباء‭ ‬عرب‭ ‬مسلمين‭ ‬يموتون‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الصفوف‭ ‬يصلون‭ ‬الليل‭ ‬بالنهار‭ ‬وهم‭ ‬يعالجون‭ ‬مرضى‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬وباريس‭ ‬وروما‭ ‬وبرلين‭ ‬ونيويورك‭. ‬

رأينا‭ ‬الدكتور‭ ‬عادل‭ ‬الطيار‭ ‬والدكتور‭ ‬أمجد‭ ‬الحوراني‭ ‬السودانيين‭ ‬اللذين‭ ‬رحلا‭ ‬وهما‭ ‬يحاربان‭ ‬في‭ ‬لندن‭.‬

وفي‭ ‬نفس‭ ‬المدينة‭ ‬رأينا‭ ‬الطبيب‭ ‬المصري‭ ‬الدكتور‭ ‬سامي‭ ‬شوشة‭ ‬يلفظ‭ ‬أنفاسه‭ ‬الأخيرة‭ ‬بعد‭ ‬إصابته‭ ‬بكورونا‭ ‬وهو‭ ‬يعالج‭ ‬المرضى‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬لنفسه‭ ‬جهاز‭ ‬تنفس‭ ‬صناعي‭ ‬يوضع‭ ‬عليه‭.‬

لقد‭ ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬الأطباء‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬والأفارقة‭ ‬الذين‭ ‬قضوا‭ ‬نحبهم‭ ‬وهم‭ ‬يحاربون‭ ‬الفيروس‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬إلى‭ ‬تسعة‭ ‬أطباء،‭ ‬وهذا‭ ‬معناه‭ ‬أنهم‭ ‬يتقدمون‭ ‬الصفوف‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يجلس‭ ‬فيه‭ ‬آخرون‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬أكثر‭ ‬أمنا،‭ ‬فإلى‭ ‬متى‭ ‬ستبقى‭ ‬العنصرية‭ ‬ويبقى‭ ‬التمييز؟‭.‬