متى تضيع المؤسسة؟

| عباس العمران

يصيبك‭ ‬بالذهول‭ ‬وأنت‭ ‬تتأمل‭ ‬مشيته‭ ‬مندفعاً‭ ‬نحو‭ ‬مكتبه،‭ ‬يتسارع‭ ‬في‭ ‬الخطى‭ ‬ليوهمك‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬عجلة‭ ‬من‭ ‬أمره،‭ ‬وهناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬أحر‭ ‬من‭ ‬الجمر‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الطاولة‭ ‬العريضة‭ ‬التي‭ ‬يجلس‭ ‬عليها‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭. ‬لكنك‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تكتشف‭ ‬أنه‭ ‬مُسرع‭ ‬لا‭ ‬لشيء‭ ‬سوى‭ ‬أنه‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬الاختباء‭ ‬مرة‭ ‬أو‭ ‬ليتوارى‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭ ‬ما‭ ‬أمكن‭ ‬عن‭ ‬الناس‭ ‬مرات‭ ‬أخرى،‭ ‬عن‭ ‬الموظفين‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬المراجعين‭ ‬بلا‭ ‬تفريق‭ ‬“هكذا‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬يوم”‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬بعض‭ ‬الموظفين‭ ‬عنه‭. ‬ينطبق‭ ‬عليه‭ ‬وصف‭ ‬بليغ‭ ‬وهو‭ ‬أنه‭ ‬مشروع‭ ‬مؤجل‭ ‬لضياع‭ ‬المؤسسة‭ ‬التي‭ ‬يرأسها،‭ ‬فهو‭ ‬بعيد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الإنجاز‭ ‬ومواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬عُين‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬العريقة‭.‬

يَفرض‭ ‬عليك‭ ‬بعض‭ ‬القادة‭ ‬الإداريين‭ ‬الانحناء‭ ‬تقديرا‭ ‬واحتراما‭ ‬لحجم‭ ‬الإنجازات‭ ‬التي‭ ‬قاموا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬زمنية‭ ‬وجيزة‭ ‬من‭ ‬استلامهم‭ ‬المنصب،‭ ‬بينما‭ ‬النموذج‭ ‬الآخر‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬إنجازاته‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬الشكر‭ ‬أو‭ ‬يستوجب‭ ‬الذكر،‭ ‬فالمعاملات‭ ‬متكدسة‭ ‬والتسويف‭ ‬في‭ ‬القرارات‭ ‬مهارة‭ ‬يتقنها‭ ‬جيدا،‭ ‬“الأمور‭ ‬إلى‭ ‬الأسوأ‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬استلم‭ ‬المنصب”‭ ‬يقول‭ ‬أحد‭ ‬العاملين‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الإداري،‭ ‬وعلاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تجده‭ ‬يملك‭ ‬شهية‭ ‬مفرطة‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬الوافدين،‭ ‬بل‭ ‬يسارع‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬انضمامهم‭ ‬لهذه‭ ‬المؤسسة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬مؤهلاتهم‭ ‬لا‭ ‬تتناسب‭ ‬وشروط‭ ‬الوظيفة‭ (‬الأمثلة‭ ‬كثيرة‭)‬،‭ ‬والنتيجة‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬سيطرة‭ ‬الوافدين‭ ‬وهيمنتهم‭ ‬على‭ ‬أغلب‭ ‬الوظائف،‭ ‬وقد‭ ‬أكدت‭ ‬لجنة‭ ‬بحرنة‭ ‬الوظائف‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬بشكل‭ ‬مُفصل‭ ‬وجلي،‭ ‬فاكتشفنا‭ ‬أعدادا‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الوافدين‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬الوطنية‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬تزايد‭ ‬مستمر‭ ‬وبلا‭ ‬انقطاع،‭ ‬بينما‭ ‬يعمد‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬الإداري‭ ‬السلبي‭ ‬إلى‭ ‬تجاهل‭ ‬وإبعاد‭ ‬طلبات‭ ‬المواطنين‭ ‬المؤهلين‭ ‬لشغل‭ ‬تلك‭ ‬الوظائف‭.‬

محزنٌ‭ ‬للغاية‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬بعض‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬الوطنية،‭ ‬خصوصا‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬توالى‭ ‬على‭ ‬رئاستها‭ ‬خيرة‭ ‬رجالات‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬والذين‭ ‬تركوا‭ ‬بصمة‭ ‬وطنية‭ ‬مخلصة‭ ‬سطرها‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬أبهى‭ ‬وأجمل‭ ‬صفحاته،‭ ‬نشهدُ‭ ‬اليوم‭ ‬تراجعها‭ ‬المؤسف‭ ‬وتفضيلها‭ ‬غير‭ ‬المبرر‭ ‬للعمالة‭ ‬الوافدة‭. ‬ودمتم‭ ‬سالمين‭.‬