سوالف

“الأنا” في الأدب... اتخاذ موقف ذاتي من الحياة

| أسامة الماجد

معظم‭ ‬الأدباء‭ ‬والمفكرين‭ ‬الذين‭ ‬تركوا‭ ‬لنا‭ ‬تراثا‭ ‬إنسانيا‭ ‬غنيا‭ ‬في‭ ‬اللغتين‭ ‬العربية‭ ‬والإنجليزية‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬وأدب‭ ‬الرحلات‭ ‬وأدب‭ ‬السيرة‭ ‬ودراسات‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬فنون‭ ‬مختلفة‭ ‬كالرقص‭ ‬والنحت‭ ‬والرسم‭ ‬والنقد‭ ‬والموسيقى،‭ ‬مروا‭ ‬بتجارب‭ ‬وخبرات‭ ‬مريرة‭ ‬انعكست‭ ‬على‭ ‬أعمالهم‭ ‬ونتاجهم،‭ ‬فحين‭ ‬ضاق‭ ‬صدرهم‭ ‬لم‭ ‬يجدوا‭ ‬مخرجا‭ ‬للتخفيف‭ ‬عن‭ ‬شعورهم‭ ‬سوى‭ ‬الاعتراف،‭ ‬ومن‭ ‬أمثلة‭ ‬الأدب‭ ‬الغربي‭ ‬اعترافات‭ ‬جان‭ ‬جاك‭ ‬روسو‭ ‬وأندريه‭ ‬جيد،‭ ‬والأخير‭ ‬كشف‭ ‬ضربا‭ ‬مستورا‭ ‬من‭ ‬الانفصام،‭ ‬وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬اعترافات‭ ‬القديس‭ ‬أوغسطين،‭ ‬وترجمة‭ ‬“سلليني”‭ ‬الفنان‭ ‬الإيطالي‭ ‬والعالم‭ ‬كاردانا،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأديب‭ ‬الروسي‭ ‬ديستوفيسكي‭ ‬الذي‭ ‬نقل‭ ‬معاناته‭ ‬وحياة‭ ‬البؤس‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬روايته‭ ‬مثل‭ ‬“مذكرات‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬السفلي”‭ ‬و”ذكريات‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬الموتى”‭ ‬حيث‭ ‬فصل‭ ‬ديستوفيسكي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬عذاب‭ ‬السجن‭. ‬

وفي‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نعثر‭ ‬على‭ ‬تراجم‭ ‬ذاتية‭ ‬مفردة‭ ‬تصور‭ ‬اضطهاد‭ ‬المجتمع‭ ‬لصاحبها‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬“أبوحيان‭ ‬التوحيدي”‭ ‬عن‭ ‬وقوفه‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أصحاب‭ ‬النفوذ‭ ‬الذين‭ ‬خاب‭ ‬رجاؤه‭ ‬بهم،‭ ‬ولم‭ ‬يلق‭ ‬منهم‭ ‬إنصافا‭ ‬وحسن‭ ‬تقدير،‭ ‬فسخط‭ ‬عليهم‭ ‬ولون‭ ‬انفعاله‭ ‬الثائر‭ ‬نظراته‭ ‬إلى‭ ‬مجتمعه‭ ‬وناسه‭ ‬وعصره،‭ ‬وهناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬يسجلون‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬تكوينهم‭ ‬العقلي‭ ‬أو‭ ‬تطورهم‭ ‬الفكري‭ ‬والآثار‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬أسهموا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الثقافي،‭ ‬ومن‭ ‬أكثر‭ ‬التراجم‭ ‬الذاتية‭ ‬الفكرية‭ ‬ذيوعا‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬العربي،‭ ‬البيروني،‭ ‬والرازي،‭ ‬وابن‭ ‬الهيثم،‭ ‬وابن‭ ‬حجر،‭ ‬والسخاوي‭ ‬والسيوطي‭.‬

وسواء‭ ‬كانت‭ ‬ذكريات‭ ‬الإنسان‭ ‬الخاصة‭ ‬تحمل‭ ‬نفعا‭ ‬للآخرين‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬كونها‭ ‬مجرد‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬الماضي،‭ ‬فإن‭ ‬الكثيرين‭ ‬ينقلون‭ ‬لنا‭ ‬حياتهم‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬أدبية،‭ ‬حتى‭ ‬والدنا‭ ‬الأديب‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬الماجد‭ ‬كتب‭ ‬عنه‭ ‬الناقد‭ ‬الدكتور‭ ‬إبراهيم‭ ‬غلوم‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬“رومانسية‭ ‬السخط‭... ‬دراسات‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬عند‭ ‬محمد‭ ‬الماجد”،‭ ‬أن‭ ‬محمد‭ ‬الماجد‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬القاص‭ ‬الوحيد‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬التجربة‭ ‬القصصية‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والخليج‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الذات‭ ‬المباشرة‭ ‬محورا‭ ‬حول‭ ‬مجمل‭ ‬العناصر‭ ‬المكونة‭ ‬للشكل‭ ‬القصصي‭. ‬إنها‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬ذاتي‭ ‬من‭ ‬الحياة‭.‬