ومضة قلم

أطباؤنا في مستوى التحدي

| محمد المحفوظ

ماذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يُصر‭ ‬الطبيبان‭ ‬البحرينيان‭ ‬اللذان‭ ‬يقيمان‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬ويعملان‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مستشفياتها،‭ ‬وهما‭ ‬محمد‭ ‬الوداعي‭ ‬ومحمد‭ ‬رجب‭ ‬على‭ ‬البقاء‭ ‬هناك‭ ‬بعد‭ ‬شفائهما‭ ‬من‭ ‬فايروس‭ ‬كورونا؟‭ ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬بوسعهما‭ ‬بعد‭ ‬تماثلهما‭ ‬للشفاء‭ ‬مغادرة‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬متاحا‭ ‬لهما‭ ‬وهو‭ ‬الخيار‭ ‬الأكثر‭ ‬أمانا‭ ‬لو‭ ‬أرادا؟‭ ‬لماذا‭ ‬فضلا‭ ‬وبإرادتهما‭ ‬أن‭ ‬يتواجدا‭ ‬بين‭ ‬المرضى‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يعرضهما‭ ‬للعدوى‭ ‬لا‭ ‬سمح‭ ‬الله؟‭ ‬

إنها‭ ‬الإنسانية‭ ‬تجسدت‭ ‬بأسمى‭ ‬معانيها،‭ ‬والتزاما‭ ‬بالواجب‭ ‬المهني‭ ‬بأرقى‭ ‬مدلولاته‭. ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬خافيا‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬دولا‭ ‬أوروبية‭ ‬تشهد‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المصابين‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أخذ‭ ‬الوباء‭ ‬الانتشار،‭ ‬وفي‭ ‬بريطانيا‭ ‬وحدها‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬حالات‭ ‬الوفاة‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف‭ ‬حالة‭ ‬لكن‭ ‬الطبيبين‭ ‬الوداعي‭ ‬ورجب‭ ‬آثرا‭ ‬مواصلة‭ ‬العمل‭ ‬لقناعتهما‭ ‬بأن‭ ‬المهنة‭ ‬التي‭ ‬نذرا‭ ‬نفسيهما‭ ‬لها‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬الانسحاب‭ ‬أمام‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬الإنساني،‭ ‬وإصرارهما‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يتمتعان‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أخلاق‭ ‬ومناقب‭ ‬عالية‭. ‬إنّ‭ ‬البقاء‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أمرا‭ ‬سهلا‭ ‬فأهاليهما‭ ‬كانوا‭ ‬يتمنون‭ ‬عودتهما‭ ‬بل‭ ‬يلحون‭ ‬عليها،‭ ‬لكن‭ ‬التقارير‭ ‬الطبية‭ ‬هناك‭ ‬تؤكد‭ ‬أنّ‭ ‬هناك‭ ‬نقصا‭ ‬فادحا‭ ‬في‭ ‬الكوادر‭ ‬الطبية‭ ‬والتمريضية،‭ ‬فاستجابا‭ ‬لنداء‭ ‬الضمير‭ ‬وتأدية‭ ‬واجب‭ ‬المهنة‭. ‬

مرة‭ ‬أخرى‭ ‬نؤكد‭ ‬أنّ‭ ‬الموقف‭ ‬الإنساني‭ ‬للطبيبين‭ ‬وصمودهما‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬أشبه‭ ‬بصمود‭ ‬المحاربين‭ ‬على‭ ‬جبهات‭ ‬القتال‭ ‬يستحق‭ ‬الفخر‭ ‬لكل‭ ‬مواطن‭ ‬في‭ ‬مملكتنا‭ ‬الغالية‭. ‬لقد‭ ‬صحح‭ ‬الأطبّاء‭ ‬العرب‭ ‬بتضحياتهم‭ ‬اللامحدودة‭ ‬والبحرينيون‭ ‬بصورة‭ ‬خاصة‭ ‬صورة‭ ‬الإنسان‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬العالم،‭ ‬واستطاعوا‭ ‬بما‭ ‬قدموه‭ ‬من‭ ‬عطاء‭ ‬كبير‭ ‬جدا‭ ‬أن‭ ‬يجبروا‭ ‬الكثيرين‭ ‬على‭ ‬تقديرهم،‭ ‬وعلى‭ ‬الذين‭ ‬يتهمون‭ ‬العربي‭ ‬–‭ ‬ظلما‭ - ‬بعدم‭ ‬المسؤولية‭ ‬وعدم‭ ‬الاكتراث‭ ‬بالقضايا‭ ‬الإنسانية‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬اتهاماتهم‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬إنّ‭ ‬ما‭ ‬نهض‭ ‬به‭ ‬الطبيبان‭ ‬عمل‭ ‬بطولي‭ ‬وإنساني‭ ‬عظيم‭ ‬والتاريخ‭ ‬سيذكر‭ ‬لهما‭ ‬بذلهما‭ ‬وعطاءهما‭ ‬الكبير‭ ‬ومواقفهما‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تنسى‭. ‬

ونعود‭ ‬ونؤكد‭ ‬أنّ‭ ‬الكوادر‭ ‬الطبية‭ ‬البحرينية‭ ‬مشهود‭ ‬لها‭ ‬بالكفاءة‭ ‬والبراعة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬التخصصات‭ ‬والكثير‭ ‬منهم‭ ‬برهنوا‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬نذروا‭ ‬أنفسهم‭ ‬إليها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنّهم‭ ‬يستحقون‭ ‬التكريم‭ ‬الذي‭ ‬يليق‭ ‬بحجم‭ ‬عطائهم‭ ‬وتضحياتهم‭.‬