عنفوان

رسالة إلى حفيدي

| جاسم اليوسف

لا‭ ‬أعلم‭ ‬حقا‭ ‬من‭ ‬تكون‭: ‬اسمك‭/‬‏‭ ‬جنسك‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬عمرك‭ ‬الذي‭ ‬سيمسح‭ ‬لك‭ ‬بفهم‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة،‭ ‬ولكنني‭ ‬سأكتبها‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حال،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أخذت‭ ‬الإذن‭ ‬من‭ ‬أبيك‭ ‬والبالغ‭ ‬عمره‭ ‬وقت‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬الفقرة‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬فقط،‭ ‬وهو‭ ‬يأكل‭ ‬بنهم‭ ‬شديد‭ ‬بعض‭ ‬قطع‭ ‬البيتزا‭.‬

عزيزي‭ ‬الحفيد‭ ‬الذي‭ ‬أحسبه‭ ‬وسيما‭ ‬مثل‭ ‬جده،‭ ‬أتفهم‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬سأقوله‭ ‬غريب‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬وأكاد‭ ‬أتخيلك‭ ‬أنك‭ ‬بعد‭ ‬قراءة‭ ‬سطرين‭ ‬من‭ ‬الرسالة‭ ‬سوف‭ ‬تحول‭ ‬عينيك‭ ‬الجميلتين‭ ‬إلى‭ ‬عيني‭ ‬ضفدع‭ ‬لثوان‭ ‬معدودة‭. ‬امزح‭ ‬يا‭ ‬حفيدي،‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اجتماعية‭ ‬جماعية،‭ ‬تستدعي‭ ‬بعض‭ ‬الفكاهة،‭ ‬فجدك‭ ‬ومعه‭ ‬جمع‭ ‬غفير‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬يشهدون‭ ‬حالة‭ ‬استثنائية‭ ‬تسبب‭ ‬به‭ ‬وباء‭ ‬مفاجئ‭ ‬اسمه‭ ‬كورونا‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬وأقعدهم‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭.‬

لا‭ ‬يا‭ ‬بني،‭ ‬لا‭ ‬تشعر‭ ‬بالأسى‭ ‬على‭ ‬جدك،‭ ‬فالوباء‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬نزوله‭ ‬أشبه‭ ‬باللعنة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ساعدنا‭ ‬على‭ ‬نفض‭ ‬ما‭ ‬بدواخلنا‭ ‬وسمح‭ ‬لنا‭ ‬بإعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬تفكيرنا‭ ‬للحياة‭. ‬لقد‭ ‬قربني‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬المقيت‭ /‬‏‭ ‬المفيد‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬أبيك،‭ ‬وصرت‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أصطحبه‭ ‬معي‭ ‬لرياضة‭ ‬المشي‭ ‬لمدة‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬مني‭ ‬لتعويض‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬تقصيرا‭ ‬مني‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬وجودي‭ ‬المستمر‭ ‬بجانبه‭.‬

لا‭ ‬أدري‭ ‬يا‭ ‬حفيدي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬سنة‭ ‬ضوئية‭ ‬ستصلك‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة،‭ ‬ولكن‭ ‬أعتقد‭ ‬جازما‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬إترافا‭ ‬وليونة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬جدك،‭ ‬واعلم‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬لا‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أبنائك‭ ‬وعائلتك‭ ‬مهما‭ ‬عظمت‭ ‬مشاغلك‭ ‬الدنيوية،‭ ‬وأن‭ ‬أبناءك‭ ‬هم‭ ‬سندك‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تعطيهم‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬وتقدير‭ ‬واهتمام،‭ ‬وستجني‭ ‬ثمار‭ ‬ما‭ ‬أطعمته‭ ‬وسقيته‭ ‬ولو‭ ‬بعد‭ ‬حين‭.‬