وَخْـزَةُ حُب

المُنتظرون... أسهل ضحايا كورونا!

| د. زهرة حرم

عادة‭ ‬ما‭ ‬نستبشر‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬جديدة،‭ ‬ونرى‭ ‬أنها‭ ‬فرصة‭ ‬مواتية‭ ‬للتغيير،‭ ‬والتطوير،‭ ‬والتعديل،‭ ‬والتحسين،‭ ‬لذلك؛‭ ‬فإنها‭ ‬–‭ ‬غالبًا‭ ‬–‭ ‬ما‭ ‬ترتبط‭ ‬بتحقيق‭ ‬أهدافنا‭ ‬القصيرة‭ ‬أو‭ ‬البعيدة‭. ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬مُستجدة،‭ ‬لكل‭ ‬ذي‭ ‬عقل‭ ‬واع؛‭ ‬هي‭ ‬قيمة‭ ‬مُضافة‭ ‬في‭ ‬عمره،‭ ‬ووقته،‭ ‬وزمنه‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬لذلك؛‭ ‬فإن‭ ‬تضييعها‭ ‬أو‭ ‬جرّ‭ ‬سابقتها‭ ‬إليها،‭ ‬ومدّها‭ ‬بالسنة‭ ‬اللاحقة؛‭ ‬فرط‭ ‬جهل،‭ ‬وهدْر،‭ ‬وحماقة‭ ‬سافرة‭. ‬توسّمنا‭ ‬خيرًا‭ ‬في‭ ‬2020،‭ ‬أبهجَنا‭ ‬تشكيلها‭ ‬الرقمي،‭ ‬ولم‭ ‬نكد‭ ‬نكشِف‭ ‬قليلا‭ ‬من‭ ‬مضمونها؛‭ ‬حتى‭ ‬أطلّت‭ ‬علينا،‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬محنة؛‭ ‬لعل‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬الذي‭ ‬اجتاح‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬183‭ ‬دولة‭ ‬–‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬–‭ ‬أبشع‭ ‬صورها،‭ ‬وأسوأ‭ ‬ما‭ ‬مر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬ثمانية‭ ‬مليارات‭ ‬إنسان‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭! ‬قلَب‭ ‬أوراقنا‭ ‬جميعًا؛‭ ‬فتطايرت‭ ‬أو‭ ‬تبخرت‭ ‬معها‭ ‬آيات‭ ‬من‭ ‬الأحلام،‭ ‬والطموح،‭ ‬والأهداف،‭ ‬وحلّ‭ ‬محلها‭ ‬غول‭ ‬بشع،‭ ‬ليس‭ ‬موتًا؛‭ ‬فالموت‭ ‬نهاية،‭ ‬ونقطة‭ ‬على‭ ‬السطر،‭ ‬وكفى،‭ ‬بل؛‭ (‬الانتظار‭ ‬العقيم‭). ‬انتظار‭ ‬لا‭ ‬يحجُر‭ ‬على‭ ‬تحركك‭ ‬الجسدي،‭ ‬بل‭ ‬النفسي‭ ‬والعقلي‭ ‬معًا،‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الشلل،‭ ‬والبطالة‭ ‬الفكرية،‭ ‬تنتظرُ‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬أن‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬هواك،‭ ‬وتُرجعك‭ ‬إلى‭ ‬روتينيات‭ ‬حياتك‭ ‬السابقة‭! ‬تنتظرُ‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬عملك‭ ‬أو‭ ‬دراستك‭ ‬أنْ‭ ‬تُؤذِن‭ ‬لك‭ ‬بالحراك،‭ ‬وإلا؛‭ ‬توقفتَ،‭ ‬وجمدتَ،‭ ‬وتعطلت،‭ ‬وربما‭ ‬استسلمت‭ ‬لمشاعر‭ ‬الملل،‭ ‬والكآبة،‭ ‬والغضب،‭ ‬والخوف؛‭ ‬فأصبحتْ‭ ‬زادَك‭ ‬اليومي‭ ‬السامّ‭! ‬ونسيتَ‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غُرّة‭ ‬من‭ ‬أمرك‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬لك‭ ‬حلمًا‭ ‬أو‭ ‬هدفًا،‭ ‬كانت‭ ‬أعلامه‭ ‬ترفرف‭ ‬على‭ ‬رأسك،‭ ‬فقط،‭ ‬منذ‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬جدًا‭.‬

لم‭ ‬نعد‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الصدمة؛‭ ‬فأغلبنا‭ ‬استوعب‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬حوله،‭ ‬وعرف‭ ‬كيف‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬الخطر،‭ ‬وينأى‭ ‬بصحته‭ ‬وعافيته‭ ‬عنه،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الأمر‭ ‬مجهولا‭ ‬تمامًا،‭ ‬غامضًا،‭ ‬وغريبًا‭ ‬كليا؛‭ ‬لذلك‭ ‬نرى‭ ‬الخوف‭ ‬يتناقص،‭ ‬ويحل‭ ‬اطمئنان‭ ‬نسبي،‭ ‬وأمن‭ ‬داخلي،‭ ‬فماذا‭ ‬ننتظر‭ ‬أكثر؟‭ ‬أي‭ ‬عمر‭ ‬سنبدد‭ ‬أكثر؟‭ ‬أي‭ ‬حدث‭ ‬سنراقب‭ ‬حصوله؟‭ ‬وأي‭ ‬أخبار‭ ‬سنتابع‭ (‬حذافيرها‭)‬؛‭ ‬فنهمل‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬أوراق‭ ‬أحلامنا،‭ ‬لنستعيد‭ ‬ترتيبها،‭ ‬وتركيبها،‭ ‬وتجميعها‭!  ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬سيمضي‭ ‬بعيدا،‭ ‬وإنه‭ ‬لكذلك،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬المُخلّ،‭ ‬أن‭ ‬يجرّنا‭ ‬–‭ ‬طويلا‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬–‭ ‬نحو‭ ‬ساحاته،‭ ‬فتضيع‭ ‬ساعات‭ ‬أعمارنا،‭ ‬دون‭ ‬فائدة‭ ‬أو‭ ‬نتيجة؛‭ ‬سوى‭ ‬الخسارة‭! ‬الوقت‭ ‬ليس‭ ‬مالا‭ ‬أو‭ ‬نقودا،‭ ‬كما‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الماديون،‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬يعادل‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬حياتك،‭ ‬لذلك؛‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يضيع‭ ‬منه‭ ‬سدى‭ - ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬فرجٍ‭ ‬مجهول‭ ‬التوقيت‭ - ‬هو‭ ‬تنازل‭ ‬طوعيّ‭ ‬عنه،‭ ‬لصالح‭ ‬العبثية،‭ ‬والفراغ،‭ ‬واللهو‭ ‬الزائف،‭ ‬والمتع‭ ‬الزائلة‭.‬

لدى‭ ‬كثير‭ ‬منا‭ ‬مفاهيم‭ ‬مغلوطة،‭ ‬أبرزها‭: ‬تضييع‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬حدث‭ ‬ما،‭ ‬إن‭ ‬الصحيح‭ ‬استثماره‭ ‬لا‭ ‬تضييعه،‭ ‬إن‭ ‬أسوأ‭ ‬انتظار‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يسحب‭ ‬من‭ ‬رصيد‭ ‬أعمارنا،‭ ‬ونحن‭ ‬نتضاحك‭ ‬في‭ ‬سهو‭ ‬وغفلة‭. ‬من‭ ‬هنا؛‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬انتظار‭ ‬انتهاء‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬مصحوبًا‭ ‬بعمل‭ ‬مفيد؛‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أسهل‭ ‬وأبشع‭ ‬ضحاياه‭.‬