معادلة فيروس كورونا بالمناعة الذاتية

| د. ندى أحمد الحساوي

هل‭ ‬هي‭ ‬مسألة‭ ‬مقاومة‭ ‬أم‭ ‬معادلة؟‭ ‬سؤال‭ ‬علمي‭ ‬مفهومه‭ ‬عميق،‭ ‬فالمتعارف‭ ‬عليه‭ ‬أنّ‭ ‬ما‭ ‬تقاوم‭ ‬وجوده‭ ‬يبقى،‭ ‬فالموجود‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬هو‭ ‬“كوفيد‭ ‬19”‭ ‬المسبب‭ ‬للأنفلونزا،‭ ‬وليس‭ ‬جديدا‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬يسبب‭ ‬فيروسا‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬الكورونا‭ ‬الأنفلونزا،‭ ‬لكن‭ ‬“كوفيد‭ ‬19”‭ ‬هو‭ ‬الجديد‭ ‬لأنه‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬تحوّر‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الخارجي‭ ‬لفيروس‭ ‬كورونا‭ ‬مسبب‭ ‬للسارس،‭ ‬وبتعريف‭ ‬مرض‭ ‬الأنفلونزا‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬مرض‭ ‬معد‭ ‬يصيب‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفسي،‭ ‬تكون‭ ‬أعراضه‭ ‬الحرارة‭ ‬المرتفعة‭ ‬وألم‭ ‬في‭ ‬الحلق‭ ‬وسيلان‭ ‬في‭ ‬الأنف،‭ ‬صداع،‭ ‬ألم‭ ‬في‭ ‬المفاصل‭ ‬والعضلات،‭ ‬وشعور‭ ‬بالتعب،‭ ‬وتزيد‭ ‬نسبة‭ ‬الإصابة‭ ‬في‭ ‬الأنفلونزا‭ ‬في‭ ‬الجو‭ ‬البارد،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الفيروسات‭ ‬بطبيعتها‭ ‬ليست‭ ‬كائنات‭ ‬حية‭ ‬ولكنها‭ ‬أجسام‭ ‬أو‭ ‬كبسولات‭ ‬حاملة‭ ‬لبرنامج‭ ‬الحياة،‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬تدخل‭ ‬خلية‭ ‬حية‭ ‬فإنها‭ ‬تشغّل‭ ‬ذلك‭ ‬البرنامج‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬العمليات‭ ‬الحيوية،‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬الجينات،‭ ‬لتوجيه‭ ‬وتجنيد‭ ‬آليات‭ ‬الخلية‭ ‬لنسخ‭ ‬وإنتاج‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الفيروسات،‭ ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬عندما‭ ‬يدخل‭ ‬الفيروس‭ ‬خلايا‭ ‬مجاري‭ ‬التنفس‭ ‬والرئتين‭ ‬حيث‭ ‬تتناسخ‭ ‬الأجسام‭ ‬الفيروسية‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬الجسم،‭ ‬والتي‭ ‬تكون‭ ‬موائمة‭ ‬في‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفسي‭ ‬لحركة‭ ‬الهواء‭ ‬المستمرّة‭ ‬في‭ ‬الشهيق‭ ‬والزفير‭ ‬في‭ ‬الجو‭ ‬البارد‭.‬

علينا‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬لجائحة‭ ‬كورونا‭ ‬بوعي‭ ‬أعمق،‭ ‬فأنفلونزا‭ ‬الكورونا‭ ‬تحمل‭ ‬رسالة‭ ‬اليقظة‭ ‬للبشرية‭ ‬جمعاء،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان‭ ‬معني‭ ‬بالصحة‭ ‬والسلامة،‭ ‬لأنه‭ ‬خلق‭ ‬للعمل‭ ‬والإبداع‭ ‬والابتكار،‭ ‬خلق‭ ‬ليخدم‭ ‬رسالة‭ ‬الإنسان‭ ‬الضمنية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬قيمته‭ ‬العليا‭ ‬الذاتية،‭ ‬بها‭ ‬يفعّل‭ ‬الإنسان‭ ‬التفكير‭ ‬الحقيقي‭ ‬برؤيته‭ ‬لذاته‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬تلك‭ ‬القيمة‭ ‬العليا،‭ ‬عندها‭ ‬يرتفع‭ ‬وعي‭ ‬الإنسان‭ ‬بما‭ ‬يدور‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬السلب‭ ‬والإيجاب‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إدارة‭ ‬عقله‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مخزون‭ ‬الأفكار،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الجسد‭ ‬متوازنا‭ ‬ومحققا‭ ‬للمقاييس‭ ‬الفسيولوجية‭ ‬التي‭ ‬عندها‭ ‬تتم‭ ‬العمليات‭ ‬الحيوية‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح‭. ‬

ففاعلية‭ ‬المناعة‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الإنسان‭ ‬المتوازن‭ ‬ذاتيا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬جسم‭ ‬غريب‭ ‬وجديد‭ ‬داخل‭ ‬جسد‭ ‬ذلك‭ ‬الإنسان‭ ‬وليست‭ ‬هناك‭ ‬ذاكرة‭ ‬مناعية‭ ‬لمعادلة‭ ‬سلبيّة‭ ‬“الكوفيد‭ ‬19”،‭ ‬فإن‭ ‬الخلايا‭ ‬المناعية‭ ‬التائية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الأوعية‭ ‬الدموية‭ ‬للأغشية‭ ‬المخاطية‭ ‬المبطنة‭ ‬للأنف‭ ‬والفم‭ ‬ومجاري‭ ‬التنفّس،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬خلايا‭ ‬الدم‭ ‬البيضاء‭ ‬المشكلة‭ ‬للجزء‭ ‬الرئيسي‭ ‬من‭ ‬جهاز‭ ‬المناعة،‭ ‬فإنّ‭ ‬تلك‭ ‬الخلايا‭ ‬المتجولة‭ ‬تقوم‭ ‬بالكشف‭ ‬عن‭ ‬“الكوفيد‭ ‬19”،‭ ‬ثم‭ ‬مهاجمته‭ ‬وإصدار‭ ‬إشارات‭ ‬استنفار‭ ‬للخلايا‭ ‬المحيطة‭ ‬للتصدي‭ ‬للجسم‭ ‬الغازي،‭ ‬وكذلك‭ ‬إفراز‭ ‬مواد‭ ‬كيميائية‭ ‬كالإنترفيرون‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬تناسخ‭ ‬وتفشّي‭ ‬الفيروس،‭ ‬وبنفس‭ ‬الوقت‭ ‬تكوّن‭ ‬الخلايا‭ ‬المناعية‭ ‬ذاكرة‭ ‬للتصدي‭ ‬لـ‭ ‬“الكوفيد‭ ‬19”‭ ‬عند‭ ‬غزوه‭ ‬للجسم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يقوم‭ ‬بروتين‭ ‬مناعي‭ ‬موجود‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬أوعية‭ ‬الأغشية‭ ‬المخاطية‭ ‬بغلق‭ ‬المستقبلات‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬الغلاف‭ ‬الخارجي‭ ‬لـ‭ ‬“الكوفيد‭ ‬19”‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬بدوره‭ ‬بالهجوم‭ ‬على‭ ‬خلايا‭ ‬الدم‭ ‬المناعية‭.‬

ذلك‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الجسد‭ ‬المتوازن‭ ‬لأنه‭ ‬يخدم‭ ‬رسالته‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬أوجده‭ ‬الخالق‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬لأجلها،‭ ‬أما‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬في‭ ‬برمجة‭ ‬التنشئة‭ ‬والمجتمع‭ ‬بممارسة‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يعشقون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الكسب‭ ‬المادي،‭ ‬فهم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬ألم‭ ‬ومعاناة‭ ‬العقل‭ ‬اللاواعي،‭ ‬الذي‭ ‬يستجيب‭ ‬له‭ ‬الجسد‭ ‬بالإفراز‭ ‬المزمن‭ ‬لهرمون‭ ‬الإبينفرين‭ ‬مثلا‭ ‬مما‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬فعالية‭ ‬خلايا‭ ‬وبروتينات‭ ‬الدم‭ ‬المناعية،‭ ‬فيصبح‭ ‬غزو‭ ‬أجسادهم‭ ‬بـ‭ ‬“الكوفيد‭ ‬19”‭ ‬يسيرا‭. ‬فما‭ ‬يلزم‭ ‬“الكوفيد‭ ‬19”هو‭ ‬معادلة‭ ‬تتحقق‭ ‬بواسطة‭ ‬المناعة‭ ‬الذاتية‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬دخوله‭ ‬إلى‭ ‬الجسد‭ ‬المفعّل‭ ‬بالروح،‭ ‬أي‭ ‬مفعّل‭ ‬بالرسالة‭ ‬الكونية‭ ‬المعنيّة‭ ‬بالخلق‭.‬