ريشة في الهواء

لننشر ما بأعماقنا ونرتاح!

| أحمد جمعة

الحياة‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬طريقنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الوقائع‭ ‬والتحديات،‭ ‬بعضنا‭ ‬يعتقد‭ ‬أنها‭ ‬عقبات،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬يظن‭ ‬أنها‭ ‬اختبار‭ ‬لقدراته‭ ‬الذهنية‭ ‬والفكرية،‭ ‬بهذا‭ ‬الوقت‭ ‬الدقيق‭ ‬الحساس،‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬الرعب‭ ‬كل‭ ‬دقيقة،‭ ‬هواجس،‭ ‬مخاوف،‭ ‬وساوس‭... ‬وهناك‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬بالضفة‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬يأخذ‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬بسلاسة‭ ‬وراحة‭ ‬بال‭ ‬وهدوء،‭ ‬تراه‭ ‬يعيش‭ ‬ويتحرك‭ ‬ويحتفل‭ ‬مع‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته،‭ ‬شواء‭ ‬واجتماعات‭ ‬وأحاديث‭ ‬ودية‭ ‬بين‭ ‬الأجداد‭ ‬والآباء‭ ‬والأبناء‭ ‬والأحفاد،‭ ‬حياة‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬الرعب‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬المجموعة‭ ‬الأولى‭ ‬حيث‭ ‬تأكلها‭ ‬الهواجس‭ ‬والظنون،‭ ‬هذه‭ ‬طبيعة‭ ‬البشر،‭ ‬خصوصا‭ ‬بالظروف‭ ‬الاستثنائية‭ ‬كالتي‭ ‬نمر‭ ‬فيها‭ ‬اليوم‭.‬

التأمل‭ ‬وإشغال‭ ‬الوقت‭ ‬بمختلف‭ ‬الخيارات‭ ‬المتاحة‭ ‬لنا‭ ‬كالعمل‭ ‬والقراءة‭ ‬والرياضة‭ ‬والاندماج‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الحياة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تمنحه‭ ‬من‭ ‬خيارات‭ ‬هو‭ ‬السبيل‭ ‬السديد‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬نسيج‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬تركت‭ ‬آثارها‭ ‬على‭ ‬سكان‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬جميعا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بالتاريخ‭ ‬الحديث،‭ ‬ولو‭ ‬تأملنا‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬وقارنا‭ ‬حالنا‭ ‬بالجميع‭ ‬سندرك‭ ‬أننا‭ ‬ربما‭ ‬أفضل‭ ‬حالاً‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬الفقيرة‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬موارد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬معالجة‭ ‬الأزمة‭ ‬كما‭ ‬نحن،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬نشكر‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬أتاحت‭ ‬لنا‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭ ‬كي‭ ‬نعيش‭ ‬بهدوء‭ ‬وسلام‭ ‬وخيارات‭ ‬عدة‭ ‬لا‭ ‬تتاح‭ ‬لغيرنا،‭ ‬وهذا‭ ‬وحده‭ ‬يكفي‭ ‬لنجعل‭ ‬من‭ ‬محيط‭ ‬الحياة‭ ‬مجالا‭ ‬للتنفس‭ ‬والاسترخاء‭ ‬والتفكير‭ ‬بهدوء‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التوتر‭ ‬والقلق،‭ ‬فلأول‭ ‬مرة‭ ‬تتاح‭ ‬لنا‭ ‬فرصة‭ ‬الاختلاء‭ ‬بأنفسنا‭ ‬والإفلات‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الضوضاء‭ ‬والزحمة‭ ‬والصخب‭ ‬إلى‭ ‬محيط‭ ‬أشبه‭ ‬بالعزلة‭ ‬الاختيارية‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬توفره‭ ‬الحياة‭ ‬ذاتها‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬ملهمة‭ ‬تجعلنا‭ ‬نستغل‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات‭ ‬لتحقيق‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الإنجازات‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬عالم‭ ‬الضوضاء‭ ‬فرصة‭ ‬لنا‭ ‬للوقوف‭ ‬والتفكير‭ ‬والتأمل‭ ‬والعمل‭ ‬بأسلوب‭ ‬مختلف‭ ‬ورؤية‭ ‬مغايرة‭.‬

البعض‭ ‬ممن‭ ‬يتبرم‭ ‬ويتوتر‭ ‬ويغضب‭ ‬لأدنى‭ ‬سبب‭ ‬لم‭ ‬ير‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬جوانبها‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تكفل‭ ‬خيارات‭ ‬ربما‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬من‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬ركضا‭ ‬وهرولة‭ ‬وصراعات‭ ‬وحروبا‭ ‬فيما‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬أنفسنا‭ ‬والآخرين،‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬هو‭ ‬المناسب‭ ‬للعودة‭ ‬لطبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬الهادئة‭ ‬المسالمة‭ ‬والتفكير‭ ‬المركز‭ ‬البعيد‭ ‬عن‭ ‬الانفعالات‭ ‬العاطفية‭ ‬السريعة،‭ ‬لو‭ ‬تبصرتم‭ ‬بهذه‭ ‬الرؤية‭ ‬صدقوني‭ ‬سترون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬فقدان‭ ‬وخسائر‭ ‬وحزن،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬وقت‭ ‬مختلف‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الأوقات‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬مررنا‭ ‬بها‭ ‬ويمكن‭ ‬استغلال‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬العادات‭ ‬والمفاهيم‭ ‬والسلوكيات‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬عليها‭ ‬طوال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭... ‬لماذا‭ ‬نستعجل‭ ‬العودة‭ ‬للضوضاء‭ ‬والصراعات؟‭ ‬المشكلة‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬البعض‭ ‬ممن‭ ‬لم‭ ‬تغيرهم‭ ‬الأزمة‭ ‬الراهنة،‭ ‬بل‭ ‬زادتهم‭ ‬سوءا‭ ‬وشرا‭ ‬وكذبا‭ ‬وتلفيقا‭ ‬ونفاقا‭ ‬وكأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬ينتظرون‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬لإخراج‭ ‬بقية‭ ‬الشرور‭ ‬الكامنة‭ ‬فيهم‭. ‬مع‭ ‬أن‭ ‬المفروض‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تعلمنا‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬كيف‭ ‬نتخلص‭ ‬من‭ ‬الشر‭ ‬بداخلنا؟‭ ‬ونخرج‭ ‬للحياة‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬فينا‭.‬

 

تنويرة‭:

‬كثرة‭ ‬العثرات‭ ‬تفرض‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬طريقك‭.‬