العرب والأمن القومي بعد كورونا (2)

| فرات البسام

أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬بعد‭ ‬كورونا‭ ‬وصلنا‭ ‬لقناعة‭ ‬بأنه‭ ‬يجب‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والثقافي،‭ ‬ولدينا‭ ‬دروس‭ ‬سابقة،‭ ‬فبعد‭ ‬أحداث‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬نظر‭ ‬بعض‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬تحول‭ ‬تاريخي‭ ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬كذلك،‭ ‬فالمستفيد‭ ‬الوحيد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬فهي‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تطبق‭ ‬عملية‭ (‬حريق‭ ‬الرايخستاغ‭) ‬الذي‭ ‬منح‭ ‬الفرصة‭ ‬لهتلر‭ ‬لإصدار‭ ‬قوانين‭ ‬تصفي‭ ‬المعارضين‭ ‬له‭ ‬داخليا،‭ ‬ونجح‭ ‬هتلر‭ ‬بهذا‭ ‬المشروع‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬إن‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬منحت‭ ‬أميركا‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬سياستها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬واستخدمت‭ ‬نظرية‭ ‬من‭ ‬ليس‭ ‬معي‭ ‬فهو‭ ‬ضدي،‭ ‬وقسم‭ ‬الغرب‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬نصفين،‭ ‬الأول‭ ‬الدول‭ ‬المستفقرة‭ ‬وليس‭ ‬الفقيرة،‭ ‬وهي‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬المواد‭ ‬الأولية‭ ‬في‭ ‬الصناعة‭ ‬العالمية‭ ‬كالخام‭ ‬وتأخذه‭ ‬بأسعار‭ ‬قليلة‭ ‬جدا،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والعلمانية،‭ ‬لكنه‭ ‬ينتهك‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المسميات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اصطناع‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تحديدا،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وأميركا،‭ ‬لو‭ ‬رجعنا‭ ‬للواقع‭ ‬لوجدناها‭ ‬تعيش‭ ‬طفيليا‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬تسميه‭ ‬هي‭ ‬“الشراكة‭ ‬الاستراتيجية”،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الاستغلال‭ ‬أصبحوا‭ ‬يمتلكون‭ ‬كل‭ ‬سبل‭ ‬التطور‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬الكبير،‭ ‬وأيضا‭ ‬هم‭ ‬يصنعون‭ ‬المشكلة‭ ‬وهم‭ ‬القادرون‭ ‬على‭ ‬حلها،‭ ‬وفي‭ ‬كتاب‭ ‬عناقيد‭ ‬الغضب‭ ‬للكاتب‭ ‬جون‭ ‬شتاينبك‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفائض‭ ‬يرمى‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الفقير‭ ‬أن‭ ‬يناضل‭ ‬مرغما‭ ‬لإرضاء‭ ‬قانون‭ ‬الرأسمالية‭.‬

إذا‭ ‬كورونا‭ ‬أظهر‭ ‬الحقائق‭ ‬لجميع‭ ‬الأمم‭ ‬بأن‭ ‬أوروبا‭ ‬وأميركا‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬العصى‭ ‬السحرية‭ ‬وأنها‭ ‬عانت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬بكثير،‭ ‬وهنا‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬الداعين‭ ‬للعلمانية‭ ‬والليبرالية‭ ‬الرأسمالية‭ ‬والعولمة‭ ‬الأوروبية‭ ‬انتهى‭ ‬اتحادهم‭ ‬دون‭ ‬رصاصة‭ ‬بل‭ ‬بفيروس‭ ‬جبان‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬مظلم‭ ‬بجسم‭ ‬الإنسان‭ ‬فتك‭ ‬بالرأسمالية‭ ‬والاتحادات‭ ‬والدول‭ ‬العظمى،‭ ‬لذلك‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الانهيار‭ ‬العالمي‭ ‬الصحي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬يبدأوا‭ ‬بإنشاء‭ ‬نظام‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬يحمي‭ ‬اقتصادهم‭ ‬وأمنهم،‭ ‬وتجربة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬كورونا‭ ‬لبعض‭ ‬المنظرين‭ ‬وبعض‭ ‬الخبراء‭ ‬وبعض‭ ‬المستشارين‭ ‬فشلت‭ ‬بامتياز‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يقاوموا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أمام‭ ‬انهيار‭ ‬هز‭ ‬أركان‭ ‬العالم‭.‬