عصر الرأسمالية المراقبة

| رائد البصري

“الرأسمالية‭ ‬المراقبة”‭ ‬عنوان‭ ‬كتاب‭ ‬للمؤلفة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬والباحثة‭ ‬الأميركية،‭ ‬شوشان‭ ‬زوبوف،‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬فصول،‭ ‬إذ‭ ‬تبدأ‭ ‬شوشان‭ ‬الحديث‭ ‬بمقدمة‭ ‬بأن‭: ‬البشرية‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬الرقمي‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬“الرأسمالية‭ ‬المراقبة”‭ ‬وسعي‭ ‬الشركات‭ ‬القوية‭ ‬للتنبوء‭ ‬بسلوكنا،‭ ‬والتحكم‭ ‬فيه‭ ‬واستغلاله‭ ‬وفق‭ ‬مصالح‭ ‬الشركات‭ ‬التكنولوجية”‭.‬

‭- ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬يتناول‭ (‬المستقبل‭ ‬الرقمي‭): ‬تعتبر‭ ‬الرأسمالية‭ ‬المراقبة،‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد،‭ ‬التجربة‭ ‬البشرية‭ ‬كمادة‭ ‬خام‭ ‬مجانية‭ ‬يمكن‭ ‬ترجمتها‭ ‬إلى‭ ‬بيانات‭ ‬سلوكية‭ ‬يتم‭ ‬تطبيقها‭ ‬على‭ ‬تحسين‭ ‬المنتج‭ ‬أو‭ ‬الخدمة‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إدخالها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التصنيع‭ ‬المعروفة‭ ‬باسم‭ ‬الماكينة‭ ‬ويتم‭ ‬تصنيعها‭ ‬في‭ ‬منتجات‭ ‬تنبؤية‭ ‬بسلوكنا‭ ‬الحالي‭ ‬والمستقبلي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استكشاف‭ ‬المستخدم‭ ‬واتجاهاته‭ ‬وأماكنه‭ ‬الديموغرافية‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭.‬

‭ - ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬يتناول‭ (‬تشكيل‭ ‬السلوك‭ ‬الفردي‭): ‬كيف‭ ‬أصبح‭ ‬الاتصال‭ ‬الرقمي‭ ‬وسيلة‭ ‬للأغراض‭ ‬التجارية‭ ‬للآخرين‭ ‬ضاربة‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬“جوجل”‭ ‬اخترعت‭ ‬“رأسمالية‭ ‬المراقبة”‭ ‬وجعلتها‭ ‬مثالية‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬ابتكرت‭ ‬فيها‭ ‬جنرال‭ ‬موتورز‭ ‬قبل‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬“الرأسمالية‭ ‬الإدارية”‭ ‬في‭ ‬البحوث‭ ‬والتطوير‭ ‬وتلتهما‭ ‬أمازون‭ ‬وبعدها‭ ‬شركة‭ ‬الفسيبوك‭ ‬ثم‭ ‬المكروسوفت‭.‬

وتركز‭ ‬الكاتبة‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬استفادة‭ ‬شركة‭ ‬جوجل‭ ‬من‭ ‬تحويل‭ ‬الثروة‭ ‬الضخمة‭ ‬من‭ ‬بيانات‭ ‬مستخدمي‭ ‬الشبكة‭ ‬العنكبوتية‭ ‬للهواتف‭ ‬النقالة‭ ‬المقدرة‭ ‬بـ‭ ‬300‭ ‬ميلون‭ ‬شخص‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬إدماج‭ ‬البيانات‭ ‬المعلوماتية‭ ‬مع‭ ‬جهاز‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأميركي‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬ومشاركته‭ ‬الفعالة‭ ‬في‭ ‬التجارب‭ ‬السوقية‭ ‬عن‭ ‬المستهلكين‭.‬

‭- ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ (‬قوة‭ ‬رأسماليي‭ ‬المراقبة‭): ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معرفة‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عنا‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬عملياتهم‭ ‬مصممة‭ ‬لتكون‭ ‬مدركة‭ ‬لنا‭ ‬وتتراكم‭ ‬مجالات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬الجديدة‭ ‬منا‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا،‭ ‬انهم‭ ‬يتوقعون‭ ‬مستقبلنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬الآخرين‭ ‬وليس‭ ‬مكاسبنا‭ ‬عندما‭ ‬يحتفل‭ ‬الفيسبوك‭ ‬بعيد‭ ‬ميلادنا‭ ‬سنوياً‭ ‬ضاربة‭ ‬كل‭ ‬خصوصياتنا‭ ‬عرض‭ ‬الحائط‭.‬

‭- ‬الفصل‭ ‬الرابع‭ (‬معاينة‭ ‬الحقيقة‭): ‬تشير‭ ‬الكاتبة‭ ‬أن‭ ‬رأسمالية‭ ‬المراقبة‭ ‬هي‭ ‬قوة‭ ‬مارقة‭ ‬تحركها‭ ‬ضرورات‭ ‬اقتصادية‭ ‬تتجاهل‭ ‬المعايير‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وتلغي‭ ‬الحقوق‭ ‬المرتبطة‭ ‬باستقلال‭ ‬الفرد،‭ ‬وتضيف‭ ‬الكاتبة‭ ‬مثلما‭ ‬ازدهرت‭ ‬الحضارة‭ ‬الصناعية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الطبيعة‭ ‬الخضراء‭ ‬كذلك‭ ‬تزدهر‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الرقابية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬وستهددنا‭ ‬بفقد‭ ‬إنسانيتنا‭ ‬وجعلنا‭ ‬وعاء‭ ‬معلوماتي‭ ‬لمصلحتها‭ ‬خاصة‭ ‬وبعدها‭ ‬سنصبح‭ ‬نادمين‭. ‬والسؤال‭ ‬المطروح‭ ‬هل‭ ‬فعلا‭ ‬قمنا‭ ‬بالتبرع‭ ‬بخصوصيتنا‭ ‬طوعا‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭.‬

يرى‭ ‬كثيرون‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬المقابلة،‭ ‬أمورا‭ ‬مفادها‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الحل‭ ‬هو‭ ‬مقاطعة‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تماما‭ ‬وبمعنى‭ ‬واضح‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬الأفضل‭ ‬تجاهل‭ ‬العروض‭ ‬المتكررة‭ ‬على‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬للاشتراكات‭ ‬والروابط‭ ‬بين‭ ‬تطبيق‭ ‬وآخر،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬هل‭ ‬البديل‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬هواتف‭ ‬ذكية‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بالهواتف‭ ‬البدائية‭ ‬التي‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الاتصالات‭ ‬الهاتفية‭ ‬فقط؟‭. ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬ستكون‭ ‬الإجابة‭ ‬بـ‭ ‬”لا”،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أشخاصاً‭ ‬نادرين‭ ‬حولنا‭ ‬اختاروا‭ ‬ذلك‭.‬

كما‭ ‬يرفض‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬فكرة‭ ‬المقاطعة‭ ‬كردّ‭ ‬فعل‭ ‬وقائي‭ ‬لاعتبارين‭. ‬الأول‭ ‬ذلك‭ ‬مستحيل،‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬تقريبا‭ ‬مرصود‭ ‬ومستباح‭ ‬وخاضع‭ ‬للعيون‭ ‬والرقابة‭ ‬بمجرد‭ ‬دخوله‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ومن‭ ‬المستحيل‭ ‬مقاطعة‭ ‬الشبكة‭ ‬العنكبوتية‭ ‬تماما‭. ‬أما‭ ‬الاعتبار‭ ‬الثاني،‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فوائد‭ ‬ومكاسب‭ ‬عديدة‭ ‬لاستخدام‭ ‬صفحات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬”الحديثة”،‭ ‬إن‭ ‬الخصوصية‭ ‬تنتهي‭ ‬بمجرد‭ ‬الاتصال‭ ‬بالإنترنت،‭ ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬محرك‭ ‬البحث‭ ‬الشهير‭ ‬جوجل‭ ‬بجانب‭ ‬التطبيقات‭ ‬والمواقع‭ ‬المختلفة‭ ‬تعلم‭ ‬عنك‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تعلمه‭ ‬أنت‭ ‬عن‭ ‬نفسك،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬تعي‭ ‬جيداً‭ ‬تفضيلاتك‭ ‬واهتماماتك‭ ‬وردود‭ ‬فعلك،‭ ‬بل‭ ‬أنواع‭ ‬البضائع‭ ‬التي‭ ‬تفضل‭ ‬شراءها‭ ‬أو‭ ‬الأماكن‭ ‬السياحية‭ ‬التي‭ ‬تحلم‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬بزيارتها‭. ‬وجميع‭ ‬البيانات‭ ‬الرقمية‭ ‬تخضع‭ ‬لمستويات‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬التحليل‭ ‬للاستفادة‭ ‬منها‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬يصح‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬البيانات‭ ‬سلعة‭ ‬ثمينة‭ ‬للغاية‭ ‬يتبرّع‭ ‬بها‭ ‬المستخدم‭ ‬لهذه‭ ‬المواقع‭ ‬بغرض‭ ‬تحديد‭ ‬اتجاهاته‭ ‬ورغباته‭ ‬الحالية‭ ‬والمستقبلية‭.‬