الوعي المجتمعي.. موطن ومُواطن

| د.حورية الديري

تسارعت‭ ‬موجة‭ ‬الأحداث‭ ‬العالمية‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬لتكشف‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬جاهزية‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬نحو‭ ‬استقبال‭ ‬موجات‭ ‬عارمة‭ ‬محملة‭ ‬بتحديات‭ ‬جديدة‭.. ‬واليوم‭ ‬ونحن‭ ‬نواجه‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭ ‬كبيرة‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد،‭ ‬يمكننا‭ ‬قياس‭ ‬مدى‭ ‬تحضر‭ ‬الأمم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬انعكاسًا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والدول‭ ‬المجاورة‭..‬

نبدأ‭ ‬بقياس‭ ‬مدى‭ ‬الوعي‭ ‬الذاتي‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬المكون‭ ‬الأساس‭ ‬لتشكيل‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭..‬

ففي‭ ‬كل‭ ‬أزمة‭ ‬مهما‭ ‬تفاقمت‭ ‬وتقاربت‭ ‬فإنها‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ذروة‭ ‬تأزمها‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬انحسارها‭... ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬منها‭ ‬يتوجب‭ ‬الإلمام‭ ‬التام‭ ‬بحسن‭ ‬إدارتها‭.. ‬لا،‭ ‬بل‭ ‬التخصصية‭ ‬التامة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نقع‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬أخرى‭ ‬وتتعقد‭ ‬الأزمات‭..‬

لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الإدراك‭ ‬الذاتي‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السلوكيات‭ ‬التي‭ ‬يظهرها‭ ‬الفرد‭ ‬نتيجة‭ ‬إداركه‭ ‬لنفسه‭ ‬وللواقع‭ ‬المحيط‭ ‬به،‭ ‬وتفاعله‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬حوله‭. ‬وهذا‭ ‬بالطبع‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬التطور‭ ‬الاجتماعي‭. ‬نقيس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬لنا‭ ‬الآن،‭ ‬في‭ ‬الاستجابة‭ ‬لكافة‭ ‬التعليمات‭ ‬والتوجيهات‭ ‬الاحترازية‭ ‬لمواجهة‭ ‬أزمة‭ ‬كورونا‭ ‬وبرغبة‭ ‬وطنية‭ ‬تامة‭.‬

ومن‭ ‬منطلق‭ ‬هذا‭ ‬الوعي‭ ‬الذاتي‭ ‬ودرجته‭ ‬بإمكاننا‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬جاهزية‭ ‬المجتمع‭ ‬لإدارة‭ ‬الأزمة‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الوعي‭ ‬الفردي‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬سلوك‭ ‬جماعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تبادل‭ ‬المعارف‭ ‬و‭ ‬التجارب‭ ‬الفردية‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬وتؤثر‭ ‬فيه‭ ‬إيجابًا‭ ‬أو‭ ‬سلبًا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭.‬‭.‬

وبالنظر‭ ‬في‭ ‬متطلبات‭ ‬الوعي‭ ‬الذاتي‭ ‬فإنها‭ ‬ذلك‭ ‬الجهد‭ ‬الذي‭ ‬يبذله‭ ‬الشخص‭ ‬بشكل‭ ‬شخصي‭ ‬لتشكل‭ ‬الوعي‭ ‬العام،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الوعي‭ ‬التخصصي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬معين‭ ‬والذي‭ ‬يختلف‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬لآخر‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬التخصصية‭ ‬التامة،‭ ‬وهذا‭ ‬كله‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬مما‭ ‬يمتزج‭ ‬من‭ ‬معارف‭ ‬وسلوكيات‭ ‬وقوانين‭ ‬وأنظمة‭ ‬خاصة‭ ‬بتشكيل‭ ‬الحياة‭..‬

بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬الكورونا‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬فقد‭ ‬بدا‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬انعكاسًا‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭.. ‬لما‭ ‬يتجسد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬طريقة‭ ‬إدارتها‭ ‬وقيادتها‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوعي‭ ‬الحكومي‭ ‬أو‭ ‬المؤسسي‭ ‬أو‭ ‬الفردي‭ ‬والتي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬القيادة‭ ‬وتفويض‭ ‬الصلاحيات‭ ‬وتكاتف‭ ‬الشعب‭ ‬وتعاونهم‭ ‬والامتثال‭ ‬للتعليمات‭ ‬الحكومية‭ ‬لمنع‭ ‬تفاقم‭ ‬الأزمة‭.. ‬فتعددت‭ ‬المشاركات‭ ‬والحملات‭ ‬المجتمعية‭ ‬والتطوعية‭ ‬ضمن‭ ‬فريق‭ ‬وطني‭ ‬تحكمه‭ ‬ثقافة‭ ‬مجتمعية‭ ‬واحدة‭ ‬متعددة‭ ‬الخبرات‭ ‬والتخصصات‭ ‬مدركة‭ ‬تمامًا‭ ‬للواقع‭ ‬والمخاطر‭ ‬المحيطة‭ ‬به،‭ ‬تسعى‭ ‬بوعي‭ ‬تام‭ ‬نحو‭ ‬السيطرة‭ ‬التامة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬التلاشي‭ ‬للأزمة‭ ‬وتجاوزها‭.‬

تلك‭ ‬هي،‭ ‬محصلات‭ ‬هامة‭ ‬تعكس‭ ‬التأثير‭ ‬الايجابي‭ ‬للوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬الذي‭ ‬يبعث‭ ‬الراحة‭ ‬والطمأنينة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬ممن‭ ‬تؤرقه‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة،‭ ‬والذي‭ ‬يتنامى‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري‭ ‬بمدى‭ ‬إيمان‭ ‬المواطن‭ ‬بأحقية‭ ‬موطنه‭ ‬عليه‭.‬