العرب والأمن القومي بعد كورونا (1)

| فرات البسام

يجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬ننكر‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مدنا‭ ‬حضارية‭ ‬عربية‭ ‬انطلقت‭ ‬منها‭ ‬شرارة‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وبها‭ ‬يستقر‭ ‬حلم‭ ‬التاريخ،‭ ‬وفي‭ ‬أشد‭ ‬أوقات‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬الامبراطوريتين‭ ‬البيزنطينة‭ ‬والساسانية‭ ‬كانت‭ ‬عواصم‭ ‬الفقه‭ ‬والثقافة‭ ‬تقف‭ ‬منارة‭ ‬شامخة،‭ ‬وأثبتت‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬صنع‭ ‬النصر‭ ‬أينما‭ ‬حلت‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وضعناها‭ ‬ووضعنا‭ ‬رجال‭ ‬الفكر‭ ‬في‭ ‬أماكنهم‭ ‬وبينا‭ ‬الحقيقة‭ ‬الثقافية‭ ‬والفكرية‭ ‬والقدرة‭ ‬العربية‭.‬

وقد‭ ‬استطاع‭ ‬الكاتب‭ ‬الياباني‭ ‬الأصل،‭ ‬أميركي‭ ‬الجنسية،‭ ‬فرانسيس‭ ‬فوكوياما،‭ ‬أن‭ ‬يبين‭ ‬الواقع‭ ‬التاريخي‭ ‬لجميع‭ ‬الأمم،‭ ‬واتجه‭ ‬فوكوياما‭ ‬لتحليل‭ ‬فكر‭ ‬“كارل‭ ‬ماركس”‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يتبعه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬العربي،‭ ‬وبعد‭ ‬تفكيك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وتقسيم‭ ‬معظم‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬أي‭ ‬تفكيك‭ ‬المعسكر‭ ‬الاشتراكي،‭ ‬أصبح‭ ‬حلف‭ ‬وارسو‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬وحفظت‭ ‬رسائله‭ ‬في‭ ‬متاحف‭ ‬التاريخ،‭ ‬لكن‭ ‬بقي‭ ‬الجدل‭ ‬الفكري‭ ‬للفوز‭ ‬بجائزة‭ ‬الثقافة‭ ‬والدين‭ ‬بين‭ ‬الكنيستين‭ (‬الأرثوذيكسية‭) ‬التي‭ ‬اتبعتها‭ ‬أوروبا‭ ‬الشرقية‭ ‬وبين‭ ‬الكنيسة‭ (‬الكاثوليكية‭) ‬التي‭ ‬اتبعتها‭ ‬أميركا‭ ‬وأوروبا‭ ‬الغربية‭. ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬مازلنا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬ثقافتنا‭ ‬وتاريخنا‭ ‬وتقاليدنا‭ ‬متأثرين‭ ‬بها‭ ‬لكننا‭ ‬نعيش‭ ‬النقائض،‭ ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬عقولنا‭ ‬مجبرة‭ ‬ومتطبعة‭ ‬برؤية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العيش‭ ‬بحضارتنا‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬تأثرنا‭ ‬أيضا‭ ‬بالثقافة‭ ‬الإغريقية‭ ‬والروسية‭ ‬الشرقية،‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬فوكوياما‭ ‬رغم‭ ‬ثقافته‭ ‬أن‭ ‬يسلب‭ ‬منا‭ ‬ثقافتنا،‭ ‬لكن‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬فكر‭ ‬منفتح‭ ‬نردع‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬الشواذ‭ ‬الذين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬تقدم‭ ‬هو‭ ‬لليبراليين‭ ‬أو‭ ‬العلمانيين،‭ ‬حيث‭ ‬يشغلهم‭ ‬الهوس‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬إذا‭ ‬نحن‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬ننتصر‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬والفكر‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬المحسوبية‭ ‬وصلة‭ ‬القربة‭.‬