فجر جديد

القاهرة و “لياليها”

| إبراهيم النهام

كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬كثيرين،‭ ‬اتتبع‭ ‬باهتمام‭ ‬أخبار‭ ‬الفيروس‭ ‬“كورونا”،‭ ‬والذي‭ ‬قلب‭ ‬نمط‭ ‬الحياه‭ ‬في‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬كلها‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬وأجلس‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬بيوتهم،‭ ‬كما‭ ‬أتابع‭ ‬أيضا‭ ‬الإحصاءات‭ ‬المخيفة،‭ ‬والتي‭ ‬تخطت‭ ‬حاجز‭ ‬المليون‭ ‬مصاب،‭ ‬والخمسين‭ ‬ألف‭ ‬قتيل‭.‬

ولوهلة،‭ ‬تأملت‭ ‬هذه‭ ‬الأرقام‭ ‬في‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تقارن‭ ‬بغيرها‭ ‬قط،‭ ‬وكأن‭ ‬هنالك‭ ‬عناية‭ ‬إلهية‭ ‬ورحمة‭ ‬غيبية،‭ ‬تمنع‭ ‬تفشي‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬القاتل‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬المسلمين،‭ ‬وهي‭ ‬رحمة‭ ‬ستستمر‭ ‬مع‭ ‬الابتهال‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬ومع‭ ‬تذكر‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أوجدنا‭ ‬لها،‭ ‬ومع‭ ‬مراجعة‭ ‬النفس،‭ ‬والأخطاء،‭ ‬وتصحيحها،‭ ‬وعدم‭ ‬المكابرة‭ ‬عليها‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات‭ ‬الواسعة،‭ ‬والسريعة‭ ‬جدا،‭ ‬والتي‭ ‬ألقت‭ ‬بظلال‭ ‬“متوحشة”‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬وعلى‭ ‬العلاقات‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬والناس،‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬والمعارف،‭ ‬ودفعت‭ ‬الجميع‭ ‬قسرا‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬لأولويات‭ ‬الحياة،‭ ‬استذكرت‭ ‬ليالي‭ ‬الأنس‭ ‬والجمال‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬العروبة،‭ ‬والتي‭ ‬أفتقدها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭.‬

محبتي‭ ‬لمصر،‭ ‬ولشعبها‭ ‬الطيب،‭ ‬وللقاهرة‭ ‬ولأحيائها،‭ ‬و”لأفيشات”‭ ‬الباعة‭ ‬وسائقي‭ ‬التاكسي‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها،‭ ‬وهي‭ ‬محبة‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬العريق،‭ ‬ومن‭ ‬تراثها‭ ‬وثقافتها‭ ‬وأدبها‭ ‬وفكر‭ ‬مثقفيها،‭ ‬وفنها،‭ ‬ومسرحها،‭ ‬وروائيها،‭ ‬والحديث‭ ‬بذلك‭ ‬يطول‭ ‬ويطول‭.‬

وكما‭ ‬يفتقد‭ ‬الكثيرون‭ ‬شد‭ ‬الرحال‭ ‬للبلدان‭ ‬البعيدة،‭ ‬لزيارة‭ ‬الشواطئ‭ ‬والمطاعم،‭ ‬وللجلوس‭ ‬على‭ ‬مقاهي‭ ‬“الشانزلزية”‭ ‬و”الماي‭ ‬فير”،‭ ‬و”لينكن‭ ‬ستريت”‭ ‬وغيرها،‭ ‬أفتقد‭ ‬أنا‭ ‬الجلسات‭ ‬البسيطة‭ ‬بمقاهي‭ ‬الدقي،‭ ‬والتوفيقية،‭ ‬ووسط‭ ‬البلد،‭ ‬والأهم‭ ‬إمبابة‭.‬

إمبابة‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬الجميلة،‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬المصري‭ ‬الشعبي‭ ‬الخالص،‭ ‬ببساطة‭ ‬أناسها،‭ ‬وكرمهم،‭ ‬وترحابهم‭ ‬بالضيف،‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬بحال‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬مدن‭ ‬البحرين‭ ‬والخليج‭ ‬العربي‭ ‬والعالم‭ ‬كله،‭ ‬لكنها‭ ‬ستعود‭ ‬لسابق‭ ‬بعهدها‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬قريب،‭ ‬وأن‭ ‬الأمل‭ ‬بالله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬بذلك‭ ‬لوافر‭.‬

أستذكر‭ ‬الآن‭ ‬إمبابة،‭ ‬واستذكر‭ ‬بيت‭ ‬“ست‭ ‬الكل”‭ ‬أم‭ ‬محمد‭ ‬الشاعر‭ ‬وابنتها‭ ‬المصونة‭ ‬سميرة،‭ ‬الجاثم‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬دهاليز‭ ‬حي‭ ‬الوراق‭ ‬العتيق،‭ ‬والذي‭ ‬يقدم‭ ‬أجمل‭ ‬الصور‭ ‬في‭ ‬الكرم‭ ‬المصري،‭ ‬وفي‭ ‬النقاء‭ ‬المصري،‭ ‬وفي‭ ‬العطاء‭ ‬المصري،‭ ‬فلهم‭ ‬مني‭ ‬كل‭ ‬الود‭ ‬والمحبة‭ ‬والاحترام،‭ ‬والأمل‭ ‬بلقاء‭ ‬قريب‭.‬