جائحة كورونا تُعرِّينا.. رسالة قصيرة لأجيالنا القادمة

| عبدالنبي الشعلة

لن‭ ‬تصلكم‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬إذا‭ ‬تحققت‭ ‬توقعات‭ ‬ونبوآت‭ ‬بعض‭ ‬المنجمين‭ ‬وبعض‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬أو‭ ‬“الملحمة‭ ‬الكبرى”‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭ ‬وقيام‭ ‬الساعة‭.‬

‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬هذه‭ ‬التوقعات‭ ‬والنبوآت‭ ‬فإنكم‭ ‬لن‭ ‬تصدقوا‭ ‬أو‭ ‬تتخيلوا‭ ‬ما‭ ‬واجهناه‭ ‬وكابدناه‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الأربعة‭ ‬الماضية،‭ ‬جراء‭ ‬الهجمة‭ ‬الشرسة‭ ‬التي‭ ‬تعرضنا‭ ‬لها‭ ‬نحن‭ ‬معشر‭ ‬البشر‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭ ‬المضطرب،‭ ‬من‭ ‬كائن‭ ‬فيروسي‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الصغر‭ ‬والدقة‭ ‬انطلق‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬المدن‭ ‬الصينية‭ ‬واستطاع‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬خاطفة‭ ‬أن‭ ‬يغزو‭ ‬ويعبر‭ ‬الحدود‭ ‬وينفذ‭ ‬إلى‭ ‬صميم‭ ‬مكونات‭ ‬وجودنا‭ ‬المادية‭ ‬والمعنوية‭ ‬وأن‭ ‬يزلزل‭ ‬أركان‭ ‬قناعاتنا‭ ‬ومسلماتنا‭.‬

‭ ‬وتمكن‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬إدخال‭ ‬الخوف‭ ‬والرعب‭ ‬والفزع‭ ‬إلى‭ ‬أعماق‭ ‬قلوبنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مختلف‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬وشبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتغلغلة‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬بشكل‭ ‬كثيف‭ ‬ومركز،‭ ‬والتي‭ ‬صارت‭ ‬تغذينا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭ ‬بالأخبار‭ ‬والمعلومات،‭ ‬وبقدر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الشائعات‭ ‬والاجتهادات‭ ‬ونصائح‭ ‬وآراء‭ ‬غير‭ ‬الخبراء‭ ‬والمختصين،‭ ‬مما‭ ‬أضاف‭ ‬الحيرة‭ ‬والقلق‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬نعانيه‭ ‬من‭ ‬خوف‭ ‬ورعب‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬واجه‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كوارث‭ ‬ونكبات‭ ‬مماثلة‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬أفظع،‭ ‬مثل‭ ‬جائحة‭ ‬الإنفلونزا‭ ‬الأسبانية‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الشرق‭ ‬يعرف‭ ‬عما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬وقت‭ ‬طويل،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1918‭ ‬عندما‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى،‭ ‬وحصدت‭ ‬خلال‭ ‬عامين‭ ‬أرواح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬50‭ ‬إلى‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬إنسان،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬فيه‭ ‬أقل‭ ‬كثافة‭ ‬سكانية‭ ‬وأخف‭ ‬حركة‭ ‬وتنقلًا‭ ‬وتواصلًا‭ ‬واتصالًا‭ ‬مقارنة‭ ‬بعالمنا‭ ‬اليوم‭ ‬حيث‭ ‬يسافر‭ ‬ويتنقل‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬مليارات‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الواحد‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الجو‭ ‬فقط،‭ ‬حسب‭ ‬إحصائيات‭ ‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬للنقل‭ ‬الجوي‭ (‬أياتا‭)‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المتنقلين‭ ‬والمسافرين‭ ‬بالبواخر‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬القطارات‭ ‬ووسائل‭ ‬النقل‭ ‬الأرضية‭ ‬الأخرى،‭ ‬لذلك‭ ‬فقد‭ ‬قدرت‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬الموثقة‭ ‬عدد‭ ‬الأرواح‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تحصدها‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬إلى‭ ‬65‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬آخذة‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطب‭ ‬الذي‭ ‬حققه‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نبدو‭ ‬متشائمين،‭ ‬وللأسباب‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها،‭ ‬فإن‭ ‬الكوارث‭ ‬والأزمات‭ ‬والأوبئة‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬تصبح‭ ‬شديدة‭ ‬الضآلة‭ ‬مقارنة‭ ‬بخطورة‭ ‬وفداحة‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬الآن‭ ‬وتداعياتها‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬أخذ‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬منذ‭ ‬بدايته‭ ‬يقصفنا‭ ‬بقوة‭ ‬وقسوة‭ ‬فأصاب‭ ‬منا‭ ‬حتى‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬الأسطر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليون،‭ ‬وأزهق‭ ‬أرواح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬إنسان،‭ ‬وهذه‭ ‬الأعداد‭ ‬على‭ ‬فداحتها‭ ‬فإنها‭ ‬ترتفع‭ ‬وتتضاعف‭ ‬يوميًا‭ ‬لا‭ ‬وفق‭ ‬متتالية‭ ‬حسابية،‭ ‬بل‭ ‬وفق‭ ‬متتالية‭ ‬هندسية،‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬ضحاياه‭ ‬هم‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬نظن‭ ‬أنها‭ ‬دول‭ ‬بلغت‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬الحصانة‭ ‬والتطور‭ ‬والتقدم‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭ ‬والعلوم‭ ‬وبالأخص‭ ‬العلوم‭ ‬الطبية‭.‬

‭ ‬إننا‭ ‬الآن‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬نفسية‭ ‬وواقعية‭ ‬لم‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬يعرفها‭ ‬أو‭ ‬يجربها‭ ‬أي‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬قبلنا‭ ‬عبر‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية،‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬منا‭ ‬أُمِروا‭ ‬بالبقاء‭ ‬تحت‭ ‬الحجر‭ ‬المنزلي‭ ‬أو‭ ‬الطبي‭ ‬أو‭ ‬منعوا‭ ‬من‭ ‬التجول،‭ ‬وأبناؤنا‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬الذهاب‭ ‬للمدارس‭ ‬أو‭ ‬الجامعات،‭ ‬وضمن‭ ‬إجراءات‭ ‬التباعد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬حُرمنا‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬ولقاء‭ ‬أهلنا‭ ‬وأقاربنا‭ ‬وأصدقائنا،‭ ‬وضُيقت‭ ‬علينا‭ ‬إمكانيات‭ ‬السفر‭ ‬والتنقل،‭ ‬وأقفلت‭ ‬الأسواق‭ ‬والمجمعات‭ ‬والمسارح‭ ‬ودور‭ ‬السينما‭ ‬والمطاعم‭ ‬والمقاهي،‭ ‬وألغيت‭ ‬المناسبات‭ ‬والاحتفالات‭ ‬والمباريات‭ ‬والدورات‭ ‬الرياضية،‭ ‬وأجلت‭ ‬المعارض‭ ‬والمؤتمرات،‭ ‬ومنعت‭ ‬التجمعات‭ ‬والمواكب،‭ ‬حتى‭ ‬جنائز‭ ‬الموتى،‭ ‬وأغلقت‭ ‬أبواب‭ ‬المساجد‭ ‬والكنائس‭ ‬والمعابد‭ ‬ودور‭ ‬العبادة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وحُددت‭ ‬الأوقات‭ ‬والأماكن‭ ‬التي‭ ‬يسمح‭ ‬للمصلين‭ ‬بدخولها‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬والمسجد‭ ‬النبوي‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬وتوقف‭ ‬البابا‭ ‬فرنسيس‭ ‬عن‭ ‬إلقاء‭ ‬العظة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يلقيها‭ ‬على‭ ‬الحشود‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬شرفة‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬القديس‭ ‬بطرس‭ ‬بالفاتيكان‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬مهجورة‭ ‬خاوية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأيام،‭ ‬وانهارت‭ ‬أسواق‭ ‬المال‭ ‬وتراجعت‭ ‬مؤشراتها،‭ ‬وانخفضت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬بواقع‭ ‬30‭% ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬منذ‭ ‬تفشي‭ ‬خبر‭ ‬انتشار‭ ‬الوباء‭ ‬كما‭ ‬تراجع‭ ‬الطلب‭ ‬عليه‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬استيقظنا‭ ‬لنكتشف‭ ‬كم‭ ‬هو‭ ‬صغير‭ ‬وضعيف‭ ‬وحقير‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬كله‭ ‬بين‭ ‬عشية‭ ‬وضحاها‭ ‬فريسة‭ ‬سهلة‭ ‬لفيروس‭ ‬بالغ‭ ‬الصغر‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة،‭ ‬واكتشفنا‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحًا‭ ‬أن‭ ‬حضارتنا‭ ‬التي‭ ‬تتصدرها‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬أصبحت‭ ‬متخمة‭ ‬بالقيم‭ ‬المادية‭ ‬والمصلحية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والروحية‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬وضع‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬بعض‭ ‬أركان‭ ‬الرأسمالية‭ ‬والنظام‭ ‬العالمي‭ ‬الجديد‭ ‬ومفاهيم‭ ‬العولمة‭ ‬واقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬الحرة‭ ‬في‭ ‬قفص‭ ‬الاتهام‭ ‬محملًا‭ ‬إياهم‭ ‬أوزار‭ ‬العذابات‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬الآن‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬تبوء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قمة‭ ‬الدول‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬هو‭ ‬نتيجة‭ ‬حتمية‭ ‬لتماديها‭ ‬في‭ ‬الالتزام‭ ‬المفرط‭ ‬والخاطئ‭ ‬لمفهوم‭ ‬“السوق‭ ‬الحرة”‭ ‬وجرِها‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬ورائها،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬“الجشع‭ ‬والمنافسة‭ ‬بين‭ ‬الجشعين‭ ‬هي‭ ‬أم‭ ‬الاختراع‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القيمة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬لتحسين‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للسكان‭ ‬بل‭ ‬إيجاد‭ ‬أسرع‭ ‬الطرق‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬الربح‭ ‬المادي”،‭ ‬كما‭ ‬حدد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عالم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأميركي‭ ‬‮«‬ليندون‭ ‬لاروش‮»‬‭ ‬بكل‭ ‬وضوح،‭ ‬مضيفًا‭: ‬“أن‭ ‬المشكلة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬سيادة‭ ‬أيديولوجية‭ ‬غريبة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬والأميركي”‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬طغى‭ ‬مبدأ‭ ‬المنافسة‭ ‬الشرسة‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬التعاون‭ ‬والتضامن،‭ ‬وأصبح‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬للدول‭ ‬المتطورة‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬نمو‭ ‬الثروة‭ ‬أو‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية‭ ‬وليس‭ ‬الإنتاج‭ ‬الصناعي‭ ‬والبنية‭ ‬الأساسية،‭ ‬ولذلك‭ ‬عندما‭ ‬وصل‭ ‬كورونا‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬المتطورة‭ ‬وجدناها‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬المرافق‭ ‬العلاجية‭ ‬الكافية‭ ‬المطلوبة‭ ‬وإلى‭ ‬الأدوية‭ ‬والأجهزة‭ ‬والمعدات‭ ‬الطبية‭ ‬اللازمة،‭ ‬ووجدنا‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬استعدادًا‭ ‬وتقدمًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجالات‭.‬

‭ ‬وربما‭ ‬كان‭ ‬الزعيم‭ ‬الصيني‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬تونغ‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬عندما‭ ‬وصف‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬التي‭ ‬أسماها‭ ‬بالدول‭ ‬الإمبريالية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1946‭ ‬بأنها‭ ‬“نمور‭ ‬من‭ ‬ورق”،‭ ‬فقد‭ ‬انهارت‭ ‬أمامنا‭ ‬صورة‭ ‬الغرب‭ ‬المتحضر‭ ‬عندما‭ ‬وجدنا‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬مواطنيهم‭ ‬المصابين‭ ‬بكورونا‭ ‬تتلوى‭ ‬ألمًا‭ ‬ملقاة‭ ‬في‭ ‬أروقة‭ ‬وممرات‭ ‬المستشفيات‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬سرير‭ ‬وعن‭ ‬دواء،‭ ‬ووجدنا‭ ‬جثث‭ ‬الموتى‭ ‬منهم‭ ‬مكدسة‭ ‬تنتظر‭ ‬من‭ ‬سيواريها‭ ‬التراب‭ ‬أو‭ ‬يتخلص‭ ‬منها‭ ‬بأي‭ ‬وسيلة‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬اكتشفنا‭ ‬أن‭ ‬حضارة‭ ‬الغرب‭ ‬ونحن‭ ‬أتباع‭ ‬لها،‭ ‬كانت‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬أنانية‭ ‬هشة‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬المكتسبات‭ ‬والمنافع‭ ‬المادية،‭ ‬وعلى‭ ‬فصل‭ ‬العقل‭ ‬عن‭ ‬الضمير‭ ‬والأخذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬العطاء‭.‬

‭ ‬ولقد‭ ‬أهملنا‭ ‬الإنسان‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬جعلنا‭ ‬الحكومات‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬ومسؤولياتها‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬التعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬لمواطنيها،‭ ‬واسندنا‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭ ‬الحيوية‭ ‬للشركات‭ ‬التجارية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬أكثر‭ ‬كفاءة‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬هذه‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬أفضل‭ ‬وأقل‭ ‬كلفة،‭ ‬فتحولت‭ ‬الخدمات‭ ‬التعليمية‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬إلى‭ ‬سلع‭ ‬تخضع‭ ‬لقانون‭ ‬العرض‭ ‬والطلب،‭ ‬ويتوفر‭ ‬أفضلها‭ ‬لمن‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬أكثر،‭ ‬وأصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الخدمات‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأنشطة‭ ‬التجارية‭ ‬ربحًا‭ ‬وكسبًا‭ ‬للمال،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات‭ ‬والتراجعات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬واستفادت‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬شركات‭ ‬التأمين‭ ‬الصحي‭ ‬الضخمة،‭ ‬واعتمدت‭ ‬الحكومات‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬على‭ ‬مراكز‭ ‬البحوث‭ ‬والتطوير‭ ‬التابعة‭ ‬للشركات‭ ‬الدوائية‭ ‬العملاقة‭ ‬لإنتاج‭ ‬الأدوية‭ ‬والمستلزمات‭ ‬العلاجية‭ ‬الأخرى،‭ ‬فصارت‭ ‬أسهم‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الأسهم‭ ‬رواجًا‭ ‬وتداولًا‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬المالية،‭ ‬بينما‭ ‬توجهت‭ ‬الحكومات‭ ‬إلى‭ ‬الإنفاق‭ ‬السخي‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬البحوث‭ ‬وتطوير‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬والأسلحة‭ ‬البيولوجية‭ ‬وأسلحة‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬للحروب‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬حاز‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬الشعب‭ ‬الأميركي‭ ‬وانتخب‭ ‬رئيسًا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬العام‭ ‬2017‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬أهدافه‭ ‬ووعوده‭ ‬الانتخابية‭ ‬كانت‭ ‬إلغاء‭ ‬برنامج‭ ‬“أوباما‭ ‬كير”،‭ ‬وهو‭ ‬البرنامج‭ ‬الصحي‭ ‬الذي‭ ‬أقره‭ ‬الكونغرس‭ ‬الأميركي‭ ‬وتم‭ ‬تفعيله‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2010‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يوفر‭ ‬رعاية‭ ‬صحية‭ ‬شاملة‭ ‬وتأمين‭ ‬صحي‭ ‬لكل‭ ‬أمريكي‭ ‬بتكاليف‭ ‬منخفضة،‭ ‬وقد‭ ‬أوفى‭ ‬ترامب‭ ‬بوعده،‭ ‬وتم‭ ‬إلغاء‭ ‬البرناج‭ ‬بعد‭ ‬موافقة‭ ‬الكونغرس‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2017‭.‬

‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬نستخلص‭ ‬أن‭ ‬جيلنا‭ ‬أخفق‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬في‭ ‬إدراك‭ ‬الواقع‭ ‬الحقيقي،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإنكم‭ ‬يا‭ ‬أجيال‭ ‬المستقبل‭ ‬مطالبون‭ ‬بأن‭ ‬تكونوا‭ ‬أكثر‭ ‬وعيًا‭ ‬منا،‭ ‬وأن‭ ‬تستخلصوا‭ ‬وتستوعبوا‭ ‬الدروس‭ ‬والعبر‭ ‬من‭ ‬المحنة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بنا،‭ ‬وان‭ ‬تحرصوا‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬التعاون‭ ‬والتضامن‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول،‭ ‬عوضًا‭ ‬عن‭ ‬المنافسة‭ ‬الجشعة‭ ‬والمواجهة‭ ‬الضارية‭ ‬المحمومة‭ ‬لتصبح‭ ‬حياتكم‭ ‬أكثر‭ ‬أمنًا‭ ‬واستقرارًا‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭.‬