يوم الضمير

| د. عبدالله الحواج

هو‭ ‬الضمير‭ ‬الحي،‭ ‬رمز‭ ‬الإنسانية‭ ‬جمعاء،‭ ‬ونحن‭ ‬نواجه‭ ‬الاجتياح‭ ‬الأعظم‭ ‬للكوكب‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الخليقة،‭ ‬هو‭ ‬الإحساس‭ ‬بالآخر،‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬برأفة‭ ‬ورحمة‭ ‬وعدالة،‭ ‬استمداد‭ ‬طبيعي‭ ‬لغفران‭ ‬الله‭ ‬ورضوانه‭ ‬في‭ ‬عليائه‭ ‬وملكوته،‭ ‬وسدرة‭ ‬منتهاه،‭ ‬وهو‭ ‬القناعة‭ ‬بما‭ ‬كسبته‭ ‬أيدينا،‭ ‬وما‭ ‬فعلناه‭ ‬في‭ ‬دنيانا‭ ‬ومرامينا،‭ ‬وما‭ ‬ارتضيناه‭ ‬قانونًا‭ ‬إلهيًا‭ ‬فوق‭ ‬الجميع،‭ ‬وكل‭ ‬“الجميع”‭.‬

الخامس‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬الجاري،‭ ‬اتفق‭ ‬العالم‭ ‬رغم‭ ‬“الجائحة‭ ‬المرعبة”‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬يومًا‭ ‬للضمير‭ ‬العالمي،‭ ‬استشهادًا‭ ‬بتوجيه‭ ‬سامٍ‭ ‬من‭ ‬الأب‭ ‬الرئيس‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬والتزام‭ ‬بدعوة‭ ‬سموه‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬لكي‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬ساعة‭ ‬الحسم؛‭ ‬لإيقاظ‭ ‬ضمير‭ ‬الكوكب‭ ‬من‭ ‬سباته‭ ‬العميق،‭ ‬ومن‭ ‬خفائه‭ ‬المستحكم،‭ ‬ومن‭ ‬تعاليه‭ ‬غير‭ ‬المعتمد‭.‬

هذه‭ ‬لحظة‭ ‬الضمير‭ ‬التي‭ ‬دعا‭ ‬إليها‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كورونا،‭ ‬ومن‭ ‬قبل‭ ‬الاجتياح‭ ‬العظيم‭ ‬لكوكب‭ ‬أرضنا‭ ‬الضعيف،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتنبأ‭ ‬العرافون‭ ‬بأن‭ ‬2020‭ ‬هو‭ ‬عام‭ ‬للكوارث‭ ‬والمصائب‭ ‬الكونية‭ ‬“البحتة”‭.‬

لكن‭ ‬لماذا‭ ‬اختارت‭ ‬“الأمم‭ ‬المتحدة”‭ ‬مع‭ ‬سمو‭ ‬الرئيس‭ ‬القائد‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬لجعله‭ ‬يومًا‭ ‬للضمير،‭ ‬ولماذا‭ ‬وقع‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬ضمن‭ ‬أبجدية‭ ‬الجائحة‭ ‬الكورونية‭ ‬الداهمة؟

بالتأكيد‭ ‬أن‭ ‬يد‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬أيدينا‭ ‬أجمعين،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬المخلصين‭ ‬المؤمنين‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬البشر،‭ ‬ولعل‭ ‬في‭ ‬البنى‭ ‬الأساسية‭ ‬والقيمية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬أرساها‭ ‬الرئيس‭ ‬القائد‭ ‬طوال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬مع‭ ‬شقيقه‭ ‬الأمير‭ ‬الراحل‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه،‭ ‬مهد‭ ‬الطريق،‭ ‬وحدد‭ ‬المعالم‭ ‬التي‭ ‬مضى‭ ‬على‭ ‬خطاها‭ ‬جلالة‭ ‬العاهل‭ ‬المفدى‭ ‬وسمو‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائه‭ ‬الحكيم،‭ ‬وولي‭ ‬عهده‭ ‬الأمين‭ ‬في‭ ‬مثلث‭ ‬ذهبي‭ ‬نادر‭ ‬التألق‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬المتسع‭ ‬الرهيب،‭ ‬لكي‭ ‬يضع‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬دائرة‭ ‬الضوء‭ ‬الإقليمي‭ ‬والأممي،‭ ‬ويجعل‭ ‬منها‭ ‬مثلًا‭ ‬يحتذى‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الكوارث‭ ‬والمتاعب‭ ‬والهجمات‭ ‬الشريرة‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬منطقتنا،‭ ‬ويصاب‭ ‬بها‭ ‬العالم‭ ‬حقبة‭ ‬بعد‭ ‬الأخرى،‭ ‬وعامًا‭ ‬بعد‭ ‬الآخر‭.‬

إن‭ ‬يوم‭ ‬الضمير‭ ‬هو‭ ‬يوم‭ ‬مثالي‭ ‬للأرض‭ ‬بأسرها،‭ ‬للمعمورة‭ ‬بكياناتها‭ ‬المهزومة‭ ‬“فيروسيًا”،‭ ‬بأعمالها‭ ‬وأضغاث‭ ‬أحلامها،‭ ‬وأيام‭ ‬“جائحاتها”‭ ‬الجبارة،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬فقاعدة‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬التنظيمية‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬منصة‭ ‬صالحة‭ ‬للتعاطي‭ ‬مع‭ ‬الأزمات،‭ ‬مع‭ ‬الهجمات‭ ‬المرتدة‭ ‬من‭ ‬أعداء‭ ‬غير‭ ‬تقليديين،‭ ‬وتلك‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬القريب‭ ‬البعيد‭ ‬أحيانًا،‭ ‬ومن‭ ‬البعيد‭ ‬المعادي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستثني‭ ‬أحدًا‭ ‬أحيانًا‭ ‬أخرى‭.‬

يوم‭ ‬الضمير‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬يومه‭ ‬ومكانه‭ ‬وزمانه،‭ ‬حيث‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬في‭ ‬ميمون‭ ‬عودته،‭ ‬وأضلاع‭ ‬المثلث‭ ‬الحاكم‭ ‬المتألقة‭ ‬المتفاعلة‭ ‬بمنتهى‭ ‬الحيوية‭ ‬والحكمة‭ ‬والإحكام‭ ‬مع‭ ‬تحديات‭ ‬اللحظة،‭ ‬وحزم‭ ‬التعاطي‭ ‬الصارمة‭ ‬مع‭ ‬“الجائحة”‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬وتتبع‭ ‬الفيروس‭ ‬المريب،‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬المتأثرة‭ ‬سريريًا‭ ‬من‭ ‬الاجتياح‭ ‬الأممي‭ ‬الرهيب‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬يثبت‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬الآخر‭ ‬أن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬بثوابتها‭ ‬وحركتها‭ ‬الدءوبة‭ ‬وتاريخها‭ ‬العريق‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التحدي‭ ‬وأي‭ ‬تحدي،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يمكنها‭ ‬مواجهة‭ ‬الأيام‭ ‬الأكثر‭ ‬صعوبة‭ ‬التي‭ ‬يبشر‭ ‬أباطرة‭ ‬الدنيا،‭ ‬وعمالقة‭ ‬صولجاناتها‭ ‬“المرعوبين”‭ ‬بأنها‭ ‬قادمة‭ ‬لا‭ ‬محالة‭.‬

رغم‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنني‭ ‬أقول‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الضمير،‭ ‬وفيما‭ ‬سبقه‭ ‬وما‭ ‬سوف‭ ‬يتلوه‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬أن‭ ‬أمتنا‭ ‬مازالت‭ ‬بخير،‭ ‬وأن‭ ‬مملكتنا‭ ‬الحبيبة،‭ ‬بإنسانية‭ ‬تعاملها‭ ‬مع‭ ‬العالقين‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬أو‭ ‬المأزومين‭ ‬في‭ ‬الداخل،‭ ‬أو‭ ‬المصابين‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬جلدتنا‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ضيوفنا،‭ ‬جميعهم‭ ‬في‭ ‬أيدٍ‭ ‬أمينة،‭ ‬وجميعهم‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬الرعاية‭ ‬والعناية‭ ‬الإلهية‭ ‬المباركة،‭ ‬بل‭ ‬وتحت‭ ‬سماء‭ ‬البحرين‭ ‬المتعافية‭ ‬المتجلية‭ ‬بقادتها‭ ‬وشعبها‭ ‬وتاريخها‭ ‬في‭ ‬يومها‭ ‬الضميري‭ ‬الناصع،‭ ‬وفي‭ ‬أيامها‭ ‬“المستورة”‭ ‬اللاحقة‭.‬