وباء كورونا بين إجراءات الحكومة والواجب الاجتماعي

| د. محمد رضا منصور بوحسين

في‭ ‬ظل‭ ‬أوضاع‭ ‬تقشي‭ ‬وباء‭ ‬“كورونا”،‭ ‬والحالة‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬مجتمعنا‭ ‬البحريني‭ ‬العزيز‭ ‬بمختلف‭ ‬قطاعاته‭ ‬وفئاته،‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬مصيرنا‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬النجاح‭ ‬والفرح‭ ‬والألم‭ ‬والبقاء،‭ ‬شعرت‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬واجبي‭ ‬الاطمئنان‭ ‬والتواصل‭ ‬معكم؛‭ ‬لأنكم‭ ‬عائلتي‭ ‬الكبيرة،‭ ‬ولعائلاتكم،‭ ‬ولأحبائكم‭ ‬ولمجتمعنا‭ ‬العزيز‭ ‬من‭ ‬رجاله‭ ‬وشيوخه‭ ‬ونسائه‭ ‬وأطفاله‭ ‬الصحة‭ ‬والعافية‭ ‬الدائمة‭.‬

قامت‭ ‬الحكومة‭ ‬مؤخرا‭ ‬باتخاذ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬والإجراءات‭ ‬وفقا‭ ‬لقواعد‭ ‬وضوابط‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬والتحفيز؛‭ ‬لاستعادة‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬بعد‭ ‬الكوارث‭ (‬DR‭)‬،‭ ‬وكانت‭ ‬الركيزة‭ ‬الأولى‭ ‬فيها‭ ‬هي‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان؛‭ ‬باعتباره‭ ‬المكون‭ ‬الرئيس‭ ‬للتطور‭ ‬الحضاري‭ ‬في‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬وقد‭ ‬تنازلت‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬الجوانب‭ ‬الأخرى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬باعتبارها‭ ‬عناصر‭ ‬يمكن‭ ‬تعويضها‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الزمن،‭ ‬وما‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬ستتخذ‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬لولا‭ ‬الأهمية‭ ‬القصوى‭ ‬لحماية‭ ‬الأنسان‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬الركيزة‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬إستراتيجية‭ ‬النظام،‭ ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬قامت‭ ‬باتخاذ‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات؛‭ ‬لتحفيز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬باذلة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعها‭ ‬لتخيف‭ ‬الآثارالاقتصادية‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬لتجاوزهذا‭ ‬الوضع‭ ‬الوجودي‭ ‬الذي‭ ‬فيه‭ ‬نكون‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬نكون‭.‬

أما‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الواجب‭ ‬الأجتماعي،‭ ‬فمن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الإجراءات‭ ‬الحكومية‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬فعالة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يلتزم‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬جانبه‭ ‬باتخاذ‭ ‬الوسائل‭ ‬الفعالة‭ ‬لمنع‭ ‬انتشار‭ ‬الفيروس؛‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيدمر‭ ‬المجتمع‭ ‬وكل‭ ‬فرد‭ ‬منا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬التعامل‭ ‬بجدية‭ ‬وحزم‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬ولا‭ ‬غنى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬وجهد‭ ‬الجماعي‭ ‬التضامني‭ ‬لتجاوز‭ ‬هذه‭ ‬المحنة،‭ ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬أنه‭ ‬كشف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬منا‭ ‬غير‭ ‬محصن‭ ‬وكشف‭ ‬لنا‭ ‬أهمية‭ ‬اعتمادنا‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬المراعي‭ ‬للآخرين،‭ ‬وكشف‭ ‬أهمية‭ ‬شد‭ ‬عضد‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬وتعاوننا‭ ‬وتكاتفنا‭ ‬بالعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استقرار‭ ‬وجودنا‭. ‬إن‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬شعبنا‭ ‬ليس‭ ‬رقما‭ ‬إحصائيا،‭ ‬وإنما‭ ‬هم‭ ‬أبناؤنا‭ ‬وأجدادنا‭ ‬وأمهاتنا‭ ‬وأولادنا‭ ‬لا‭ ‬نستغني‭ ‬عن‭ ‬حمايتهم‭ ‬مهما‭ ‬قست‭ ‬الظروف؛‭ ‬لأننا‭ ‬بمجتمع‭ ‬مترابط‭ ‬متراص‭ ‬حياة‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬فيه‭ ‬مهمة‭ ‬وذات‭ ‬اعتبار‭ ‬بين‭ ‬أهله‭ ‬وجيرانه‭ ‬ومجتمعه‭ ‬هكذا‭ ‬هي‭ ‬البحرين‭.  ‬

لأجل‭ ‬ذلك،‭ ‬فالجميع‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬أن‭ ‬مراعاة‭ ‬القواعد‭ ‬والإرشادات‭ ‬وقرارات‭ ‬الحكومة‭ ‬والبُعد‭ ‬عن‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬بمسافات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬هو‭ ‬تعبير‭ ‬صادق‭ ‬وحقيقي‭ ‬عن‭ ‬رعايتنا‭ ‬وحبنا‭ ‬وحرصنا‭ ‬على‭ ‬بعضنا‭ ‬وعلى‭ ‬أحبابنا‭ ‬وأقرب‭ ‬الناس‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬عائتنا‭ ‬وقريتنا‭ ‬ومجتمعنا،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نترك‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يحتاجون‭ ‬الرعاية‭ ‬والتضامن‭ ‬ورفع‭ ‬المعنويات‭. ‬إن‭ ‬الوقوف‭ ‬بجانب‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬وتكاتفنا‭ ‬كعائلات‭ ‬ومجتمع‭ ‬هو‭ ‬الأهم‭ ‬والمطلوب‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬لمواجهة‭ ‬الجائحة‭ ‬مع‭ ‬التقيد‭ ‬التام‭ ‬بالقواعد‭ ‬والإجراءات‭ ‬المطروحة‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬سواء‭ ‬بشكل‭ ‬فردي‭ ‬أو‭ ‬مجتمعي‭.‬

سوف‭ ‬ننجح‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬إذا‭ ‬قام‭ ‬الجميع‭ ‬بحق‭ ‬باداء‭ ‬واجباتهم‭ ‬ومسئولياتهم‭ ‬تجاه‭ ‬المرحلة،‭ ‬وأهمها‭ ‬التعامل‭ ‬بجدية‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الامر؛‭ ‬باعتباره‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬والوجودي‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬مجتمعنا‭ ‬الصغير‭ ‬بجغرافيته‭ ‬والكبير‭ ‬بعمقه‭ ‬وقيمه‭.‬

أحبابنا‭ ‬الأعزاء‭ ‬دعوا‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬سببا‭ ‬يجمعنا‭ ‬دائما‭ ‬كما‭ ‬كنا؛‭ ‬ليعم‭ ‬الخير‭ ‬والحب‭ ‬والوفاء‭ ‬والعطاء،‭ ‬فنحن‭ ‬شعب‭ ‬شهد‭ ‬له‭ ‬التاريخ‭ ‬بشرف‭ ‬مواقفه‭ ‬وتآزره‭ ‬ووحدته‭ ‬وتضامنه‭ ‬ونسيجه‭ ‬المترابط‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الظروف‭ ‬والملمات‭ ‬والمحن،‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬يكفيكم‭ ‬الله‭ ‬شر‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬وشر‭ ‬ما‭ ‬خفي‭ ‬منه‭ ‬وأن‭ ‬تمر‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬علينا‭ ‬جميعا‭ ‬بالسلامة‭ ‬والعافية،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬سببا‭ ‬مقنعا‭ ‬لنعيش‭ ‬الأيام‭ ‬الجميلة‭ ‬أجيالا‭ ‬بعد‭ ‬أجيال‭ ‬في‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬والترابط‭ ‬والتآخي‭ ‬نفتخر‭ ‬بها‭ ‬بين‭ ‬أقراننا‭ ‬وجغرافيا‭ ‬العالم‭.‬

إننا‭ ‬وكما‭ ‬كنا‭ ‬دائما‭ ‬ثابتين‭ ‬ثبات‭ ‬قلاعنا‭ ‬الحصينة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬الدرع‭ ‬الحامي‭ ‬لوطننا‭ ‬الحبيب‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الشدائد‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬الأزمان،‭ ‬فكونوا‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬بهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بأن‭ ‬قياداتنا‭ ‬الحكيمة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬بِنَا‭ ‬إلى‭ ‬بر‭ ‬الأمان‭ ‬وسيمر‭ ‬شبح‭ ‬فايروس‭ ‬كورونا‭ ‬سريعا‭ ‬بفضل‭ ‬تضافر‭ ‬الجميع،‭ ‬والجميع‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬تحميل‭ ‬الدولة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يستلزمه‭ ‬الانضباط‭ ‬وتنفيذ‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬الحكومة‭ ‬الوقائية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ذاتي‭ ‬وأسري‭ ‬وعائلي‭ ‬ومناطقي‭ ‬ودعمنا‭ ‬بعضنا‭ ‬بعضا،‭ ‬فالرابط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬للقوة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬أبناء‭ ‬ومجتمع‭ ‬البحرين‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أغراض‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ ‬للساسة،‭ ‬فلتكن‭ ‬محنة‭ ‬“كورونا”‭ ‬عصرا‭ ‬لتوحيد‭ ‬جهود‭ ‬جميع‭ ‬الأبناء‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تحقيق‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬ونهضة‭ ‬البحرين‭ ‬للخلف‭ ‬وأسلف‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬وشجاعة‭ ‬واقتدار‭.‬

جميعنا‭ ‬يعلم،‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬حلم‭ ‬قصير‭ ‬ووقت‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬نمضيه،‭ ‬لنعيشه‭ ‬بتآلف‭ ‬وفرح‭ ‬ونعيم‭ ‬يعم‭ ‬الجميع،‭ ‬فكونوا‭ ‬حصنا‭ ‬ثابتا‭ ‬لا‭ ‬يهزه‭ ‬الريح‭.‬