وَخْـزَةُ حُب

فوبيا الكورونا!

| د. زهرة حرم

لا‭ ‬يكاد‭ ‬يخلو‭ ‬بيت‭ ‬–‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬يشك‭ ‬في‭ ‬حالته‭ ‬الصحية،‭ ‬وأن‭ ‬أعراضًا‭ ‬مشابهة‭ ‬لأعراض‭ ‬الكورونا،‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬تنتابه،‭ ‬خصوصًا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الوباء‭ ‬لم‭ ‬يستثنِ‭ ‬بلاده؛‭ ‬فقد‭ ‬وصل‭ ‬إليه،‭ ‬كما‭ ‬اجتاح‭ ‬غيره،‭ ‬لذلك‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬حالة‭ (‬وسوسة‭)‬؛‭ ‬يقرأ‭ ‬ويتابع‭ ‬أعراض‭ ‬المرض‭ ‬بالملليمتر،‭ ‬ثم‭ ‬يستيقظ‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬في‭ ‬فزع؛‭ ‬لأنه‭ ‬تلمّس‭ ‬عرضًا‭ ‬أو‭ ‬أكثر،‭ ‬قريبًا‭ ‬منه،‭ ‬فهل‭ ‬سمعتم‭ ‬بفوبيا‭ ‬الأمراض؟‭!‬

يعيش‭ ‬بيننا‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬الطبيعية‭ ‬وقبل‭ ‬كورونا‭ ‬–‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص؛‭ ‬ممن‭ ‬يعيشون‭ ‬الشعور‭ ‬العميق‭ ‬بوجود‭ ‬مرض‭ ‬ما،‭ ‬خطير،‭ ‬وغير‭ ‬معروف،‭ ‬لديهم‭! ‬لذا‭ ‬تراهم‭ ‬يتقلقلون‭ ‬بين‭ ‬أمرين،‭ ‬الأول‭: ‬الزيارات‭ ‬المستمرة‭ ‬للأطباء،‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬سلامتهم،‭ ‬وينتهي‭ ‬أمرهم‭ ‬بفشل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬تشخيص‭ ‬مرضهم،‭ ‬والثاني‭: ‬الابتعاد‭ ‬الكلي‭ ‬عن‭ ‬الأطباء؛‭ ‬لكيلا‭ ‬يؤكدوا‭ ‬لهم‭ ‬مرضهم‭ ‬الخطير،‭ ‬الذي‭ ‬يتوهمون‭ ‬أنهم‭ ‬مصابون‭ ‬به‭!‬

تخيلوا‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بيننا‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الكورونا‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬يعانون‭ ‬فوبيا‭ ‬الإصابة‭ ‬بالأمراض‭! ‬فكيف‭ ‬وهو‭ ‬موجود‭ ‬–‭ ‬أصلا‭ -  ‬تُلعلع‭ ‬به‭ ‬أجهزة‭ ‬الإعلام‭ ‬كل‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬الساعة‭ ‬الواحدة؟‭! ‬لا‭ ‬نستغرب‭ ‬أن‭ ‬يُصاب‭ (‬البعض‭ ‬الكثير‭ ‬منا‭) ‬بفوبيا‭ ‬كورونا‭! ‬وأن‭ ‬يتحول‭ ‬العزل‭ ‬خلف‭ ‬جدران‭ ‬منازلهم،‭ ‬إلى‭ ‬إنذار‭ ‬وشيك‭ ‬أو‭ ‬قريب‭ ‬بوصول‭ ‬المرض،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬مسألة‭ ‬وقت‭ ‬–‭ ‬حسب‭ ‬برمجتهم‭ ‬العصبية‭ ‬–‭ ‬حتى‭ ‬يجتاحهم،‭ ‬كصاروخ‭ (‬موّقت‭) ‬لم‭ ‬يخطئهم‭ ‬زمانًا‭ ‬ولا‭ ‬مكانًا‭.‬

الواقع‭ ‬أن‭ ‬الكورونا‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬الجميع؛‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬العقليات‭ ‬والنفسيات،‭ ‬على‭ ‬الأميّ‭ ‬والعالم‭! ‬أصبح‭ ‬–‭ ‬شئنا‭ ‬أم‭ ‬أبينا‭ - ‬هاجسنا‭ ‬اليومي،‭ ‬والخبر‭ ‬المَعيش،‭ ‬فكيف‭ ‬لا‭ ‬تتشربه‭ ‬حواسنا،‭ ‬وتمتصه‭ ‬كما‭ ‬يمتص‭ ‬الإسنفنج‭ ‬الماء؟‭! ‬كيف‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نفلت‭ ‬من‭ ‬عقاله،‭ ‬ونكون‭ ‬خلييّ‭ ‬البال‭ ‬منه،‭ ‬هذا‭ ‬صعب،‭ ‬ويكاد‭ ‬يكون‭ ‬مستحيلا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬كيف‭ ‬لنا‭ ‬ونحن‭ ‬أصبحنا‭ ‬ممثلين‭ (‬أبطالا‭ ‬أو‭ ‬كومبارس‭) ‬على‭ ‬مسرحه‭ ‬المرعب؛‭ ‬ألّا‭ ‬نصاب‭ ‬بلوثته،‭ ‬وألّا‭ ‬تطول‭ ‬أرواحنا‭ ‬قشعريرةَ‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬اقترابه‭ ‬المفزع‭.‬

حاولتُ‭ ‬–‭ ‬شخصيا‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬موضوعا‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الكورونا؛‭ ‬فما‭ ‬استطعت،‭ ‬فالحديث‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬فرط‭ ‬غياب‭ ‬عن‭ ‬الواقع،‭ ‬ودخول‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الحلم‭! ‬لقد‭ ‬تمكّن‭ ‬منا‭ ‬جميعا‭ ‬–‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬–‭ ‬حتى‭ ‬انه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬فوبيا‭ ‬الفرد،‭ ‬بل‭ ‬فوبيا‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول؛‭ ‬ليس‭ ‬فوبيا‭ ‬الإصابة‭ ‬المرضية‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها،‭ ‬بل‭ ‬فوبيا‭ ‬أو‭ ‬خوف‭ ‬الاقتراب؛‭ ‬مجرد‭ ‬الاقتراب،‭ ‬وهذه‭ ‬بعض‭ ‬شعوب‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬هربت‭ ‬من‭ ‬منازلها‭ ‬خوفا‭ ‬منه،‭ ‬وكأنها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭.  ‬كل‭ ‬أمانينا‭ ‬وأحلامنا‭ ‬أصبحت‭: ‬أن‭ ‬نرجع‭ ‬كما‭ ‬كنا،‭ ‬قبل‭ ‬الكورونا،‭ ‬وأن‭ ‬نستيقظ‭ ‬من‭ ‬كابوسه،‭ ‬فقد‭ ‬أثبتت‭ ‬لنا‭ ‬الفوبيا‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬حياتنا‭ ‬التي‭ ‬ظنناها‭ ‬عادية‭ ‬بسيطة،‭ ‬كانت‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬جنة‭.‬