كورونا ما بين الرأسمالية والاشتراكية

| خالد عبدالعزيز النزر

كثرت‭ ‬المقارنات‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬وأميركا‭ ‬عملاقي‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬فارتكزت‭ ‬أغلب‭ ‬المقارنات‭ ‬على‭ ‬النظامين‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬الرأسمالي‭ ‬والاشتراكي‭. ‬في‭ ‬بداية‭ ‬تولي‭ ‬الرئيس‭ ‬الصيني‭ ‬الحالي‭ ‬“شي‭ ‬جين‭ ‬بينغ”‭ ‬وهو‭ ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬للحزب‭ ‬الشيوعي،‭ ‬قال‭: ‬إذا‭ ‬انحرفنا‭ ‬أو‭ ‬تخلينا‭ ‬عن‭ ‬الماركسية‭ ‬فإن‭ ‬حزبنا‭ ‬سيفقد‭ ‬روحه‭ ‬وتوجهه،‭ ‬على‭ ‬الحزب‭ ‬أن‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬الماركسية‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الصين‭ ‬المعاصر‭. ‬أتى‭ ‬ماركس‭ ‬بمفاهيم‭ ‬مناهضة‭ ‬للرأسمالية‭ ‬وتدعو‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬للثورة‭ ‬البروليتارية‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬حتمية‭ ‬تاريخية‭ ‬قادمة‭ ‬لا‭ ‬محالة‭.‬

ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬الاشتراكية‭ ‬انهارت‭ ‬اقتصادياً‭ ‬واحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفياتي‭. ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬نفسها‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬حرص‭ ‬رئيسها‭ ‬على‭ ‬الماركسية‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬الاشتراكية‭. ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬“ماوتسي‭ ‬دونغ”‭ ‬بتطبيق‭ ‬مشروعه‭ ‬“القفزة‭ ‬الكبرى”‭ ‬أحدث‭ ‬اختلالا‭ ‬اقتصاديا‭ ‬دمر‭ ‬المجتمع‭ ‬الصيني‭ ‬وأدخله‭ ‬أسوأ‭ ‬مجاعات‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري‭ ‬ومات‭ ‬ما‭ ‬يناهز‭ ‬40‭ ‬مليون‭ ‬صيني،‭ ‬ولولا‭ ‬إصلاحات‭ ‬“دنغ‭ ‬شياوبينغ”‭ ‬الاقتصادية‭ ‬نهاية‭ ‬السبعينات‭ ‬من‭ ‬السماح‭ ‬للملكية‭ ‬الفردية‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭ ‬والاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإجراءات،‭ ‬لما‭ ‬تحققت‭ ‬معجزة‭ ‬الصين‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬اليوم‭. ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬جنحت‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬الرأسمالية‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬نظر‭ ‬لها‭ ‬“آدم‭ ‬شميث”‭ ‬و”جون‭ ‬لوك”‭ ‬وغيرهما،‭ ‬لقد‭ ‬تعلمت‭ ‬أميركا‭ ‬من‭ ‬أزماتها‭ ‬السابقة،‭ ‬ورأينا‭ ‬حكومة‭ ‬أوباما‭ ‬تدعم‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬مالياً‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬2008م،‭ ‬كما‭ ‬نرى‭ ‬اليوم‭ ‬الكونغرس‭ ‬يوافق‭ ‬لحكومة‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬مساعدات‭ ‬بترليوني‭ ‬دولار‭ ‬لدعم‭ ‬محدودي‭ ‬الدخل‭ ‬من‭ ‬إجازات‭ ‬مدفوعة‭ ‬وقروض‭ ‬وإنفاق‭ ‬على‭ ‬العاطلين‭ ‬والمحاربين‭ ‬القدماء‭ ‬والمتعثرين‭ ‬في‭ ‬القروض‭ ‬السكنية‭ ‬والتعليمية،‭ ‬ودعم‭ ‬الشركات‭ ‬بشتى‭ ‬أنواعها‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬قطاعات‭ ‬الصحة‭ ‬والتصنيع‭ ‬الطبي‭ ‬والغذاء‭ ‬والتعليم‭ ‬بأموال‭ ‬وإعفاءات‭ ‬من‭ ‬الضرائب،‭ ‬ودعم‭ ‬المدن‭ ‬والولايات‭ ‬المتعثرة‭ ‬والقرى‭ ‬النائية‭ ‬والوزارات‭ ‬والبلديات‭ ‬وغيرها‭. ‬الواقع‭ ‬كما‭ ‬نراه‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬نظاما‭ ‬اقتصاديا‭ ‬عالميا‭ ‬مشتركا‭ ‬ومتشابها‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬جوانبه‭ ‬وأبعاده،‭ ‬وأن‭ ‬النجاح‭ ‬والإخفاق‭ ‬في‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬ليس‭ ‬قائماً‭ ‬على‭ ‬النظم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬تدخل‭ ‬فيه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬الأخرى‭. ‬كما‭ ‬علينا‭ ‬العلم‭ ‬بأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأرقام‭ ‬المعلنة‭ ‬والنجاحات‭ ‬النهائية‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬مازالت‭ ‬غير‭ ‬دقيقة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الصين‭ ‬نفسها،‭ ‬وأن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والعالم‭ ‬الثالث‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬عددا‭ ‬كافيا‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الفحص‭ ‬المخبري‭ ‬أو‭ ‬المحاليل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬تمرض‭ ‬وتتعافى‭ ‬أو‭ ‬تموت‭ ‬دون‭ ‬دخول‭ ‬الإحصائيات‭ ‬الرسمية‭. ‬أما‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬فطالما‭ ‬أزكم‭ ‬أنوفنا‭ ‬بعض‭ ‬إخواننا‭ ‬العرب‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬المتعالين‭ ‬بعقدة‭ ‬التفوق‭ ‬التاريخي،‭ ‬أنهم‭ ‬أصحاب‭ ‬حضارات‭ ‬وأننا‭ ‬بدو‭ ‬لا‭ ‬نمتلك‭ ‬سوى‭ ‬النفط،‭ ‬تعاملت‭ ‬حكوماتنا‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الجائحة‭ ‬بكل‭ ‬نجاح‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬ولله‭ ‬الحمد،‭ ‬المسألة‭ ‬ليست‭ ‬امتلاكنا‭ ‬النفط،‭ ‬ففنزويلا‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬ما‭ ‬يفوقنا،‭ ‬وإيران‭ ‬تمتلك‭ ‬النفط‭ ‬والعراق‭ ‬وليبيا‭ ‬وغيرها‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الظرف‭ ‬الطارئ،‭ ‬المسألة‭ ‬هي‭ ‬ماذا‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬تنموية،‭ ‬وماذا‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬كفاءات‭ ‬وكوادر‭ ‬متعلمة‭ ‬ومدربة،‭ ‬وماذا‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬تصنيع‭ ‬ومخزون‭ ‬غذائي،‭ ‬وتصنيع‭ ‬ومخزون‭ ‬للمستلزمات‭ ‬الطبية‭ ‬الأولية،‭ ‬وماذا‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬نظم‭ ‬تقنية‭ ‬متطورة،‭ ‬وماذا‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬شراكات‭ ‬علمية‭ ‬دولية،‭ ‬وماذا‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬دبلوماسية‭ ‬متشعبة،‭ ‬وماذا‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬وسيطرة،‭ ‬وماذا‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬وعي‭ ‬اجتماعي‭ ‬وثقة‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬والشعب،‭ ‬وكيف‭ ‬تسخر‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ليكون‭ ‬الإنسان‭ ‬أولا‭ ‬وليكون‭ ‬المواطن‭ ‬معززاً‭ ‬مكرماً‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬المنكوبة‭. ‬كذلك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التنويه‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬باغتتها‭ ‬وفاجأتها‭ ‬الجائحة،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬عرقا‭ ‬ولونا‭ ‬ودينا‭ ‬ومذهبا‭ ‬وكبيرا‭ ‬وصغيرا‭ ‬ووزيرا‭ ‬وخفيرا،‭ ‬ومن‭ ‬أبشع‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬للأسف‭ ‬هو‭ ‬عبارات‭ ‬الشماتة‭ ‬والتشفي‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الجهلة‭ ‬أو‭ ‬أصحاب‭ ‬الآيديولوجيات‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬السياسية،‭ ‬كفانا‭ ‬الله‭ ‬وإياكم‭ ‬كل‭ ‬الشرور‭ ‬وإن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬تعود‭ ‬الحياة‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬وأجمل،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدروس‭.‬