ريشة في الهواء

هيستيريا المنزل!

| أحمد جمعة

قل‭ ‬لي‭ ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬من‭ ‬أنت؟‭! ‬بدأت‭ ‬تصيبنا‭ ‬هيستيريا‭ ‬المنزل،‭ ‬البعض‭ ‬بالغضب‭ ‬ممن‭ ‬حوله،‭ ‬يفرغ‭ ‬شحنة‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يعتد‭ ‬عليها،‭ ‬رجلا‭ ‬أو‭ ‬امرأة،‭ ‬هذا‭ ‬حدث‭ ‬للبعض‭ ‬بسبب‭ ‬فراغ‭ ‬أولا‭ ‬وثانيا‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بمرض‭ ‬الحجرة،‭ ‬وهذا‭ ‬عادة‭ ‬يصيب‭ ‬الذين‭ ‬قضوا‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬الحبس‭ ‬الاختياري‭ ‬بالغرفة‭ ‬بحالات‭ ‬مختلفة‭ ‬منها‭ ‬الرهاب‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬أو‭ ‬الخجل‭ ‬وأسباب‭ ‬أخرى‭ ‬لست‭ ‬طبيبًا‭ ‬لأشخصها،‭ ‬أما‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬احتجزوا‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بسبب‭ ‬كورونا‭ ‬ولم‭ ‬يعتادوا‭ ‬البقاء‭ ‬بالمنزل‭ ‬ليوم‭ ‬واحد،‭ ‬فقد‭ ‬وقع‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬هيستيريا‭ ‬سببها‭ ‬التوتر‭ ‬والخوف‭ ‬والفراغ،‭ ‬فيحدث‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬الشجار‭ ‬والخلاف‭ ‬وحتى‭ ‬التكسير،‭ ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬نتيجة‭ ‬حالة‭ ‬طارئة‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬تمر‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بهذا‭ ‬الجيل‭.‬

لماذا‭ ‬تقع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات؟‭ ‬بالطبع‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬يتم‭ ‬علاج‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مختصين‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الظروف‭ ‬الاستثنائية‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬نفس‭ ‬وأطباء‭ ‬وخطوط‭ ‬ساخنة‭ ‬تعالج‭ ‬حالات‭ ‬الفزع‭ ‬والخوف‭ ‬والتوتر‭ ‬والغضب‭ ‬وبعضها‭ ‬يدفع‭ ‬بصاحبه‭ ‬للتورط‭ ‬في‭ ‬شجارات‭ ‬وخلافات‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة،‭ ‬وعلى‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يهدأ‭ ‬ويسترخي‭ ‬ويستغل‭ ‬الوقت‭ ‬لتقوية‭ ‬الروابط‭ ‬الأسرية‭ ‬والاجتماع‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬الطعام‭ ‬وقضاء‭ ‬الوقت‭ ‬بالأحاديث‭ ‬الهادئة‭ ‬والمرحة‭ ‬وخصوصا‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬وقفوا‭ ‬وتأملوا‭ ‬الحالة‭ ‬الطارئة‭ ‬بحكمةٍ‭ ‬وحنكة،‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬هم‭ ‬بسلامٍ‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬ومع‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬تساعد‭ ‬خبرتهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والتجارب‭ ‬على‭ ‬امتصاص‭ ‬توتر‭ ‬الآخرين‭ ‬ومساعدتهم‭ ‬على‭ ‬الاسترخاء‭ ‬بنقيض‭ ‬البعض‭ ‬ممن‭ ‬يزرع‭ ‬الفزع‭ ‬أو‭ ‬يستغل‭ ‬الظرف‭! ‬بسبب‭ ‬الضيق‭ ‬والعزلة‭ ‬وعدم‭ ‬الاعتياد‭ ‬على‭ ‬تفكير‭ ‬هادئ‭ ‬واسترخاء‭ ‬وتأمل‭ ‬المواقف‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬محاربتها‭.‬

عني‭ ‬شخصيًا‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬شيء‭ ‬بالنسبة‭ ‬للبقاء‭ ‬بالمنزل‭ ‬وممارسة‭ ‬حياتي‭ ‬العادية‭ ‬والطبيعية،‭ ‬فالقراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬والتمارين‭ ‬الرياضية‭ ‬سواء‭ ‬مع‭ ‬الأجهزة‭ ‬أو‭ ‬الجسدية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لمشاهدة‭ ‬الأفلام‭ ‬العالمية‭ ‬والمسلسلات‭ ‬الأجنبية‭ ‬طبعاً،‭ ‬فالعربية‭ ‬مصيبة‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تصيبك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالذات‭ ‬بحالاتٍ‭ ‬أخطر‭ ‬من‭ ‬كورونا‭!‬

هذه‭ ‬محنة‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬العالم‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬بالعصر‭ ‬الحديث،‭ ‬حتى‭ ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬ورغم‭ ‬فناء‭ ‬الملايين‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬كانت‭ ‬تسير‭ ‬بوتيرة‭ ‬مخالفة‭ ‬ولم‭ ‬يشهد‭ ‬العالم‭ ‬إغلاقًا‭ ‬بكل‭ ‬قاراته،‭ ‬لذلك‭ ‬لو‭ ‬اتسم‭ ‬بعضنا‭ ‬بالاسترخاء‭ ‬والتمعن‭ ‬في‭ ‬الحالة‭ ‬وتقبل‭ ‬الشروط‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬الحالة‭ ‬الطارئة‭ ‬وليست‭ ‬الأنظمة‭ ‬والحكومات،‭ ‬لفهم‭ ‬مغزى‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬البقاء‭ ‬بالمنزل‭ ‬فرصة‭ ‬تاريخية‭ ‬نادرة‭ ‬لاستعادة‭ ‬نغم‭ ‬الحياة‭ ‬الذي‭ ‬قاطعتهُ‭ ‬العادات‭ ‬العصرية‭ ‬بضغوطها‭ ‬وزحمتها‭ ‬وما‭ ‬فرضتهُ‭ ‬من‭ ‬قمع‭ ‬لمشاعرنا‭ ‬وعواطفنا‭ ‬وجعلتنا‭ ‬أسرى‭ ‬غيرنا،‭ ‬نعيش‭ ‬بشروط‭ ‬غيرنا‭ ‬وظروف‭ ‬مفروضة‭ ‬علينا‭ ‬قسرًا‭.‬

السؤال‭: ‬هل‭ ‬سنتعلم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬بعد‭ ‬انقشاعها‭ ‬وقريبًا‭ ‬كما‭ ‬يأمل‭ ‬الجميع؟

أم‭ ‬سنعود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لنظامنا‭ ‬السابق‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬يطير‭ ‬الضباب‭ ‬وتعود‭ ‬تركيبة‭ ‬الحياة‭ ‬لعهدها‭ ‬وصخبها‭ ‬ومعها‭ ‬ترجع‭ ‬كل‭ ‬العادات‭ ‬السيئة‭ ‬لتطفو‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬وننسى‭ ‬ما‭ ‬تعلمناه‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المحنة‭ ‬الدولية؟‭.‬

 

تنويرة‭:

‬لا‭ ‬تأمن‭ ‬أقرب‭ ‬الأصدقاء‭ ‬لأنك‭ ‬تحبه‭ ‬فقط‭!.‬