مئة يوم من العزلة

| رضي السماك

“مئة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬العزلة”‭ ‬عنوان‭ ‬رائعة‭ ‬الروائي‭ ‬العالمي‭ ‬الكولومبي‭ ‬جابرييل‭ ‬جارسيا‭ ‬ماركيز‭ ‬الحائز‭ ‬على‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب،‭ ‬وهو‭ ‬نفسه‭ ‬مؤلف‭ ‬“الحُب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الكوليرا”،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬البشرية‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬إكمال‭ ‬مئة‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬العزلة‭ ‬الاختيارية‭ ‬أو‭ ‬الموجهة‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬ظهور‭ ‬لڤيروس‭ ‬كورونا‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬أواسط‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي‭. ‬

ورغم‭ ‬الأخبار‭ ‬المبشرة‭ ‬بنهاية‭ ‬قريبة‭ ‬له،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬قد‭ ‬جزم‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬بأننا‭ ‬لن‭ ‬نعيش‭ ‬مئة‭ ‬يوم‭ ‬ثانية‭ ‬من‭ ‬عزلة‭ ‬قد‭ ‬تمتد‭ ‬حتى‭ ‬يوليو‭ ‬القادم‭ ‬وربما‭ ‬تحرم‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬الاصطياف‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬عجاف‭ ‬طويلة؛‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المؤمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬المئة‭ ‬يوم‭ ‬الأخيرة‭ ‬نحو‭ ‬انحسار‭ ‬ملموس‭ ‬لوحش‭ ‬قريتنا‭ ‬الكونية‭ ‬المشتركة‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يقتحمها‭ ‬لولا‭ ‬المافيا‭ ‬الدولية‭ ‬الرأسمالية‭ ‬التي‭ ‬فرضت‭ ‬نفسها‭ ‬عمدةً‭ ‬عليها‭ ‬خدمة‭ ‬لمصالحها‭ ‬الأنانية‭ ‬الضيقة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مصالح‭ ‬كل‭ ‬سكانها،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتحمل‭ ‬النصيب‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬تلويث‭ ‬هذه‭ ‬القرية‭ ‬الجميلة‭.‬

على‭ ‬أن‭ ‬العزلة‭ ‬مهما‭ ‬طالت،‭ ‬لا‭ ‬سمح‭ ‬الله،‭ ‬ليست‭ ‬شراً‭ ‬لمن‭ ‬يعرف‭ ‬كيفية‭ ‬استغلالها‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬نافع،‭ ‬ألا‭ ‬هو‭ ‬“خير‭ ‬جليس”،‭ ‬والمتمثل‭ ‬تحديداً‭ ‬في‭ ‬الكتاب،‭ ‬لاسيما‭ ‬مع‭ ‬توفر‭ ‬الأجواء‭ ‬الهادئة‭ ‬التي‭ ‬تتيحها‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية،‭ ‬فهذه‭ ‬العزلة‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬لجيل‭ ‬الشباب‭ ‬المهووس‭ ‬أغلبهم‭ ‬بمتابعة‭ ‬وسائط‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬مفيد‭ ‬كفائدة‭ ‬الكتاب‭ ‬إذا‭ ‬اُحسن‭ ‬اختيار‭ ‬موضوعه،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬المتعة‭ ‬التي‭ ‬أحسب‭ ‬النخبة‭ ‬المثقفة‭ ‬تُغبط‭ ‬عليها‭ ‬وهي‭ ‬تلازم‭ ‬الكتاب‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬العزلة‭ ‬المديدة‭.‬

ولو‭ ‬جاز‭ ‬لي‭ ‬العبث‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬المتنبي‭ ‬الشهير‭ ‬لقلتُ‭: ‬وخير‭ ‬جليس‭ ‬في‭ ‬زمانِ‭ ‬الكورونا‭ ‬كتابُ‭.‬