من قال إن الحرب السورية انتهت (3)

| راغدة درغام

ما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬موسكو‭ ‬هو‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أية‭ ‬خطوات‭ ‬إضافية‭ ‬نحو‭ ‬التسوية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وفي‭ ‬غياب‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ ‬الجوهرية،‭ ‬إن‭ ‬وقف‭ ‬النار‭ ‬عابر‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬والورطة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬ليست‭ ‬محصورة‭ ‬بتركيا‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬“حزب‭ ‬الله”‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الأسد‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬بدعم‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران‭ ‬وحزب‭ ‬الله،‭ ‬إنها‭ ‬ورطة‭ ‬مفتوحة‭ ‬الأفق‭ ‬لجميع‭ ‬اللاعبين‭ ‬الميدانيين‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

إنها‭ ‬ورطة‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬للأسباب‭ ‬التالية‭: ‬أولاً،‭ ‬انتهاء‭ ‬الشراكة‭ ‬التركية‭ - ‬الروسية‭ ‬يعني‭ ‬خسارة‭ ‬ورقة‭ ‬مهمة‭ ‬للرئيس‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مفاوضاته‭ ‬ومناوراته‭ ‬مع‭ ‬أعضاء‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬وبالذات‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬ثانياً،‭ ‬إن‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬إدلب‭ ‬وعلى‭ ‬نفوذ‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬سيؤدي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬لأن‭ ‬موسكو‭ ‬لن‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬القوات‭ ‬السورية‭ ‬التي‭ ‬تحارب‭ ‬القوات‭ ‬التركية‭. ‬ثالثاً،‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬معالم‭ ‬للتسوية‭ ‬السياسية،‭ ‬ومع‭ ‬إصرار‭ ‬أردوغان‭ ‬على‭ ‬معارضة‭ ‬إجراء‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬عودة‭ ‬المهجّرين،‭ ‬تبدو‭ ‬الساحة‭ ‬السورية‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬للرئيس‭ ‬التركي‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الكردية‭ ‬فائقة‭ ‬الأهمية‭ ‬له‭ ‬سورياً‭ ‬وداخل‭ ‬تركيا،‭ ‬ومن‭ ‬الناحية‭ ‬الشخصية‭ ‬لأردوغان‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬توطيد‭ ‬سلطاته‭ ‬داخل‭ ‬تركيا‭ ‬والفوز‭ ‬بالانتخابات‭ ‬المصيرية‭ ‬لطموحات‭ ‬القيادة‭ ‬السنّية‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬وراءها‭ ‬بالذات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشروع‭ ‬“الإخوان‭ ‬المسلمين”‭.‬

ورابعاً،‭ ‬ليس‭ ‬سهلاً‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬لاعب،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬ماهراً،‭ ‬أن‭ ‬يقفز‭ ‬على‭ ‬الحبال‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬أردوغان‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬شركاءه‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬المتشدّدين‭ ‬والمتطرّفين‭ ‬وأحياناً‭ ‬الإرهابيين،‭ ‬فيما‭ ‬معارضوه‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬روسيا‭ ‬وأوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أيضاً‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تُقدّم‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬الدعم‭ ‬اللفظي‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وهي‭ ‬تراقب‭ ‬مغامراته‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ولا‭ ‬تنسى‭ ‬له‭ ‬تحدياته‭ ‬عندما‭ ‬أصرّ‭ ‬على‭ ‬صفقة‭ ‬S-400‭ ‬الروسية‭.‬

إنها‭ ‬أيضاً‭ ‬ورطة‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وتركيا‭ ‬لكن‭ ‬مؤسسته‭ ‬العسكرية‭ ‬بدأت‭ ‬تفقد‭ ‬صبرها‭ ‬وهي‭ ‬متحمّسة‭ ‬لقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬تركيا‭ ‬واستفزازاته‭ ‬لها،‭ ‬حسب‭ ‬تصوّرها‭. ‬ثانياً،‭ ‬إن‭ ‬خسارة‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬تشكّل‭ ‬ورطةً‭ ‬للأجندة‭ ‬والقيادة‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ظنّت‭ ‬أنها‭ ‬تملك‭ ‬خيوط‭ ‬اللعبة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وأن‭ ‬النصر‭ ‬كان‭ ‬مضموناً‭ ‬لها‭ ‬ولحليفها‭ ‬في‭ ‬دمشق‭. ‬ثالثاً،‭ ‬إن‭ ‬الكلفة‭ ‬لروسيا‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬عالية‭ ‬بينما‭ ‬وعود‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬تراجعت‭ ‬ومعها‭ ‬تراجع‭ ‬الدعم‭ ‬الشعبي‭ ‬الروسي‭ ‬لبوتين‭ ‬بسبب‭ ‬اندفاعه‭ ‬سورياً‭. ‬“إيلاف”‭.‬