من قال إن الحرب السورية انتهت (2)

| راغدة درغام

ما‭ ‬يشكل‭ ‬أولوية‭ ‬لبوتين‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬سهل‭ ‬المنال‭ ‬كما‭ ‬تخيّل‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ولادة‭ ‬“أستانة”‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬تملك‭ ‬سوريا‭ ‬بلا‭ ‬منازع‭ ‬وأنها‭ ‬انتصرت‭ ‬قطعاً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬فمعارك‭ ‬سوريا‭ ‬مستمرة‭ ‬رغم‭ ‬وقف‭ ‬النار‭ ‬فيما‭ ‬مأساة‭ ‬شعبها‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭ ‬إنسانية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭.‬

أتت‭ ‬نتائج‭ ‬قمة‭ ‬موسكو‭ ‬فقيرة‭ ‬جداً‭ ‬لأن‭ ‬أردوغان‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬يُذكر‭ ‬مما‭ ‬أراده‭ ‬حقاً،‭ ‬وهو‭ ‬أمران‭: ‬أحدهما،‭ ‬انسحاب‭ ‬القوات‭ ‬السورية‭ ‬إلى‭ ‬الخُطوط‭ ‬التي‭ ‬نصّت‭ ‬عليها‭ ‬اتفاقية‭ ‬“سوتشي”‭ - ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬رفضه‭ ‬الجانب‭ ‬الروسي‭. ‬والآخر‭ ‬أن‭ ‬أردوغان‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬تتوقّف‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الأسد‭ ‬وأن‭ ‬تتوقّف‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬الأسد‭ ‬عسكرياً،‭ ‬فلاقى‭ ‬الرفض‭ ‬القاطع‭ ‬من‭ ‬بوتين‭ ‬والمؤسسة‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭.‬

وحسب‭ ‬المصادر،‭ ‬أتى‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬بوتين‭ ‬نفسه‭ ‬ليؤكد‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬سوريا‭ ‬والأسد،‭ ‬فالأسد‭ ‬مفتاح‭ ‬ضروري‭ ‬حالياً‭ ‬لتثبيت‭ ‬التواجد‭ ‬العسكري‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬ولا‭ ‬استغناء‭ ‬عنه،‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬بوتين‭ ‬وعَدهُ‭ ‬بأنه‭ ‬سيدعمه‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬إدلب‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬التنصّل‭ ‬من‭ ‬الوعد‭ ‬بالرغم‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬وقوع‭ ‬تصادم‭ ‬عسكري‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وتركيا‭.‬

بوتين‭ ‬بدوره‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬سعى‭ ‬وراءه‭ ‬من‭ ‬أردوغان،‭ ‬أي‭ ‬الالتزام‭ ‬بعمليات‭ ‬ضد‭ ‬من‭ ‬تعتبرهم‭ ‬روسيا‭ ‬مجموعات‭ ‬إرهابية،‭ ‬فالرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬أوضح‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬حلول‭ ‬واردة‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬سيَجدّ‭ ‬على‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬لإصلاحها‭ ‬جوهرياً‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتعهد‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي،‭ ‬“بضمانات‭ ‬جدّية،‭ ‬بمحاربة‭ ‬تلك‭ ‬المجموعات‭ ‬الإرهابية”‭ ‬حسب‭ ‬مصدر‭ ‬روسي،‭ ‬“وأردوغان‭ ‬لم‭ ‬يلبِّ‭ ‬طلب‭ ‬الضمانات”‭.‬

اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬النار‭ ‬بدون‭ ‬ضمانات‭ ‬يعني،‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الروسية،‭ ‬أنه‭ ‬قابل‭ ‬للتنفيذ‭ ‬طبقاً‭ ‬لتعهدات‭ ‬الدولتين‭ ‬“إنما‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬المجموعات‭ ‬الإرهابية”‭. ‬وهذا‭ ‬يجعله‭ ‬هشّاً‭. ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬كان‭ ‬واضحاً‭ ‬تماماً‭ ‬أثناء‭ ‬المؤتمر‭ ‬الصحافي‭ ‬المشترك‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬استمر‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬بعملياته‭ ‬العسكرية‭ ‬ضد‭ ‬القوات‭ ‬التركية،‭ ‬فإن‭ ‬الردود‭ ‬العسكرية‭ ‬عليه‭ ‬ستكون‭ ‬أقسى‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬وأعنف‭.‬

لذلك،‭ ‬إن‭ ‬اتفاق‭ ‬وقف‭ ‬النار‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬شِراء‭ ‬هدنة‭ ‬عابرة،‭ ‬حتى‭ ‬الممر‭ ‬الآمن‭ ‬قيد‭ ‬البحث‭ ‬بين‭ ‬وزيري‭ ‬الدفاع‭ ‬الروسي‭ ‬والتركي‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬عميق‭ ‬له‭ ‬سوى‭ ‬إبقاء‭ ‬الحديث‭ ‬مفتوحاً‭ ‬بين‭ ‬المؤسستين‭ ‬العسكريتين،‭ ‬فلقد‭ ‬كانت‭ ‬قمة‭ ‬موسكو‭ ‬انتصاراً‭ ‬لمنطق‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬شجّعت‭ ‬بوتين‭ ‬على‭ ‬مسلك‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬فيما‭ ‬أرادت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬تلقين‭ ‬أردوغان‭ ‬درساً‭ ‬غالياً‭ ‬في‭ ‬سوريا‭. ‬“إيلاف”‭.‬