سوالف

نبوءة في العالم تؤكد نهاية عصر الأدب الحقيقي

| أسامة الماجد

أعجبني‭ ‬موضوع‭ ‬زميلي‭ ‬وأستاذي‭ ‬أحمد‭ ‬جمعة‭ ‬“وجبات‭ ‬الفاست‭ ‬فود‭ ‬الثقافية”،‭ ‬فسوق‭ ‬الكتاب‭ ‬يعيش‭ ‬أزمة‭ ‬حادة‭ ‬وصراعا‭ ‬يشتد‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬وتناقضات‭ ‬تهدد‭ ‬بالخراب،‭ ‬وانحدارا‭ ‬في‭ ‬المستوى،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬الرواية‭ ‬تتميز‭ ‬بالنشاط‭ ‬والفتوة‭ ‬والحيوية،‭ ‬والديمومة،‭ ‬وبلغت‭ ‬الجودة‭ ‬التي‭ ‬أيقظت‭ ‬النفوس‭ ‬والمشاعر،‭ ‬وهنت‭ ‬حلقتها‭ ‬وانكسرت‭ ‬وتداعى‭ ‬صراخها،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬عقلية‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬التي‭ ‬تفضل‭ ‬الترويج‭ ‬للكتب‭ ‬والروايات‭ ‬الهابطة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الكتب‭ ‬ذات‭ ‬الرسالة‭ ‬العظيمة‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬النهضة‭ ‬بالمجتمع‭ ‬والأمة‭ ‬والإنسانية‭.‬

لقد‭ ‬اختفت‭ ‬من‭ ‬معظم‭ ‬المكتبات‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬الروايات‭ ‬العظيمة‭ ‬وأهملت‭ ‬بشكل‭ ‬متعمد‭ ‬وكثرت‭ ‬الروايات‭ ‬السخيفة‭ ‬والهابطة،‭ ‬وأصبح‭ ‬لها‭ ‬الإنتاج‭ ‬الواسع،‭ ‬حتى‭ ‬طريقة‭ ‬عرض‭ ‬كتب‭ ‬الأدباء‭ ‬والمفكرين‭ ‬المتوفرة‭ ‬في‭ ‬المكتبات‭ ‬ودور‭ ‬النشر‭ ‬التي‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬معارض‭ ‬الكتاب،‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬بصورة‭ ‬صحيحة‭ ‬وفي‭ ‬مكان‭ ‬يلفت‭ ‬نظر‭ ‬الزائر‭ ‬أو‭ ‬القارئ،‭ ‬فدائما‭ ‬تفضل‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬معارض‭ ‬الكتاب‭ ‬تقديم‭ ‬كتب‭ ‬“الطبخ‭ ‬والمسابقات‭ ‬وروايات‭ ‬الجيب‭ ‬الرخيصة‭ ‬للمراهقين”‭ ‬على‭ ‬الكتب‭ ‬والروايات‭ ‬الشهيرة،‭ ‬وكأن‭ ‬هناك‭ ‬نبوءة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تؤكد‭ ‬نهاية‭ ‬عصر‭ ‬الأدب‭ ‬الحقيقي‭ ‬وانقراض‭ ‬نتاج‭ ‬العظماء‭ ‬وتحولهم‭ ‬إلى‭ ‬زخارف‭ ‬ومزهريات‭.‬

لقد‭ ‬اختفت‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬أحدثت‭ ‬أثرا‭ ‬ملحوظا‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الحركة‭ ‬الأدبية‭ ‬“عالميا”‭ ‬وحققت‭ ‬صدى‭ ‬واسعا‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬متشابك‭ ‬الأحداث‭ ‬والأهوال‭ ‬والتغيرات‭ ‬المتسارعة،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬من‭ ‬تخبطات‭ ‬وتناقضات‭ ‬ومآس‭ ‬يعود‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬انقلاب‭ ‬قواعد‭ ‬النشر‭ ‬وجري‭ ‬أصحاب‭ ‬الدور‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الكتب‭ ‬الرخيصة‭ ‬التي‭ ‬تدغدغ‭ ‬المشاعر‭ ‬ولا‭ ‬تحمل‭ ‬أي‭ ‬نفس‭ ‬إبداعي،‭ ‬فقط‭ ‬لأن‭ ‬وراءها‭ ‬جمهور‭ ‬من‭ ‬المراهقين‭ ‬سيقبل‭ ‬عليها‭.‬

هناك‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬حملت‭ ‬معاول‭ ‬الهدم‭ ‬وقطعت‭ ‬صلة‭ ‬الإبداع‭ ‬الحقيقي‭ ‬بالمجتمع،‭ ‬أصوات‭ ‬تنادي‭ ‬بكتب‭ ‬الشعوذة‭ ‬والسحر‭ ‬والطلاسم،‭ ‬والمسابقات،‭ ‬على‭ ‬كتب‭ ‬الأدباء‭ ‬والمفكرين‭ ‬المرموقين‭ ‬والبارزين‭ ‬أصحاب‭ ‬القضايا‭ ‬الأدبية‭ ‬الجدية‭ ‬والمهمة،‭ ‬والملفت‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الدور‭ ‬كانت‭ ‬رائدة‭ ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬خطها‭ ‬المتميز‭ ‬وخطواتها‭ ‬الصحيحة‭.‬